سام الغُباري
لليمنيين عدو واحد، يظن أنه صاحب حق إلهي في السطو على السلطة والثروة والوظائف، تمثل الحوثية ذراعه العسكرية لإخضاع المعارضين وتهديدهم، وتشكل كتب غلاة الزيدية، وهي كثيرة، منطلقهم الفكري ومبررهم العقدي لحمل السلاح وقتل اليمنيين الذين احتموا بالجسد العربي، ليدفعوا عن أنفسهم وعن العروبة بأسرها تغولاً شيطانيًا قادمًا من وراء الجغرافيا، يسعى لتطويق المنطقة وكسر عنقها والهيمنة عليها.
فيما مضى، اختلف رفاق النضال في تحديد أولوياتهم، ورفعوا أصابعهم في وجوه بعض، وكل يتهم رفيقه بالفساد والفشل والإقصاء، وتحركت البنادق، وانفجر السلاح المحرم، وتعجب العالم، وتاه اليمنيون بين قوائم الاتهامات، وأظهرت الحزبية والمناطقية وجهها الدميم، وطفق العدو الحقيقي يسخر من خصومه، ويثير فتنة تقويه، وتطيل بقاءه الملعون.
ودار حول وأحوال سيئات على اليمنيين، وأغرقتهم سفن اللجوء بحثًا عن حياة أخرى، وأظلمت دنياهم على ظلمات البحر، وبات كل شيء أسود قاتمًا، ولم تزل الاتهامات تفور حدتها فوق رؤوس المتخاصمين، وانقسم المشهد إلى شظايا صغيرة، وشرخت الأفواه أشداقها، وفتحت الثياب جيوبها، وزاد اللغط وقُمِع العقلاء بسطوة الذباب الإلكتروني، وسُفِه أهل الرأي والمشورة.
ثم أقبلت السعودية بثقلها ورصانتها وتاريخها الطيب وطيبها المعهود، فأنجزت اتفاق الرياض، وأسكتت أصوات البنادق، وليّنت رؤوسًا تيبّست، وطهرت قلوبًا أوجِعت، فعاد الشيطان لينزغ بين الإخوة، واحتدم الخلاف مجددًا، وتصاعدت الفوضى، وأعلنت الإدارة الذاتية، فلم تجزع السعودية ولم تمل، بل صبرت على الشقيق العنيد، حتى هدأ غضبه، وخمدت ثورته، وقررت تعجيل تنفيذ الاتفاق بإنهاء أسباب الخلاف، والشراكة في حكومة يجب أن تعرف عدوها الذي تخفى في تفاصيل الفتنة، حتى بات غير مرئي.
أزالت السعودية أغبرة المعارك العبثية عن عيون اليمنيين، لتصفو الرؤية وتطيب الأنفس، فجاءت بشائر الخير عاجلة في أيام مباركة، وقرر الرئيس عبدربه منصور هادي معالجة الوجع بقرارات لها أثرها الطيب، بما يجعل الجنوب اليمني مرتكزًا جغرافيًا وبشريًا هائلاً لتوجيه السلاح نحو الخطر الحوثي الخبيث، وقد اضطجع خلال شهور الفتنة المؤسفة على صنعاء حتى كتم أنفاسها وأشبعها عنصرية وبغياً وعدواناً.
اقتربت شخصياً من مارثوان التفاوض في «الريتز كارلتون» وجلست إلى مستشاري الرئيس اليمني والعقول المشاركة في إذابة الصدأ، وألفيت السفير السعودي لدى اليمن «محمد آل جابر» غير مرة مجتهدًا في تقديم دبلوماسية ناجحة، ورصينة استمدها من قيادة رشيدة تعرف ما تقول وماذا تفعل وأين وكيف، قيادة شابة لها تاريخها الطويل مع الأزمات اليمنية المتكررة، تعرف الإجابة على كل الأسئلة، وكان الأمير «خالد بن سلمان» نائب وزير الدفاع على قائمتها الأكثر فاعلية، بتوليه الملف اليمني، وجلوسه المثمر مع مئات الشخصيات الوطنية، وأخذه المتواضع لآراء الراشدين والخبراء والمطلعين والراسخين العارفين ببواطن اليمن وتشعبات قضاياها قديمًا وحديثًا، مدركًا طبائع القبائل في الجنوب والشمال، وكيفية التعامل معها بما يجعلها مؤازرة للدولة ونصيرة لها.
في حكومة الدكتور «معين عبدالملك» المقبلة يجب أن تحتاط الأحزاب والمكونات الوطنية لتقديم أسماء كفؤة ورجال استثنائيين قادرين على النجاح، لا تسبقهم الشكوى بل يتقدمهم العمل، مؤثرين الوطن على ما سواه، وفي عقولهم أحلام كبيرة لشعب عظيم يستحق أن ينال أيامًا سعيدة حتى يتحقق النصر وتُستعاد الدولة وتكبر الابتسامة في وجه اليمنيين.
وعيدًا سعيدًا
وإلى لقاء يتجدد