طلال أبو غزالة
عندما أقرأ إعلان «ووش تسون» رئيس المعهد الصيني لدراسات بحر الصين الجنوبي، المتضمن أنّ الجيش الأمريكي ينشر أعدادًا غير مسبوقة من قواته في بحر الصّين، ومحذّرًا من احتمال وقوع حادث عسكريّ أو إطلاق نار عرضي، وأنّ ذلك قد يؤدي إلى عواقب كارثية على العلاقات الصينية -الأمريكية، أقول: عندما أقرأ ذلك الإعلان وما يتبعه من حقائق ترتبط بأنّ أمريكا وضعت 375 ألف عسكري قيد الجاهزية، وأن 60 % من سفنها الحربية في منطقة المحيطين الهندي والهادئ، أحسّ بقرب الحرب بين العملاقين «أمريكا والصين».
وبمناسبة مرور 75 سنة على نهاية الحرب العالمية الثانية أردتُ أن أتناول معكم بعض الدروس من تلك الحرب، تجنّبًا لحرب عالمية ثالثة قد دقت طبولها، فلقد غيّرت الحروب العالمية «خارطة الكون» الجيوسياسية، وما زالت مآسي الحروب بانتصاراتها وهزائمها ملتصقة في الأذهان.
وأجدني مهتّمًا بتتبع أسباب الحرب العالمية، ونتائجها، وبعض مظاهرها؛ كي نتجنب تلك الأسباب، وكي تثنينا النتائج السلبية عن تكرارها في حرب قادمة من جديد.
إن قرارات واتفاقيات «فرساي»، كانت من أهم أسباب الحرب العالمية الثانية، بما شكلته من ظلم على ألمانيا؛ لإجبارها على دفع تعويضات باهظة للحلفاء! كما جرّ نظام «فرساي» أوروبا إلى صراعات حول حدودها، وإذا انتقلنا إلى سبب آخر نجده فيما قام به النازيون من اللعب على مشاعر الذّل والمهانة التي شعر بها الألمان، فحرّكوا الشعور بالانتقام، وأحيوا فكرة «ألمانيا العظمى».
ولعل وضعًا مضطربًا في العالم كفيل إلى أن يؤدي إلى صراعات عسكرية؛ فإن أي حرب عالمية لا تحدث فجأة، ولا بشكل غير متوقع؛ فلم يكن العدوان الألماني على بولندا من العدم بل نتيجة عوامل كثيرة. والتاريخ يعيد نفسه.
وتنقسم نتائج الحرب إلى قسمين، أحدهما مادي، والآخر معنوي، أما المادي فيتمثل بتعداد الخسائر، التي من أهمها الخسائر البشرية، فقد خسر «الاتحاد السوفيتي/ آنذاك» ما يقرب من 27 مليون مواطن، بمعنى أنه خسر ما نسبته (واحدًا من كل سبعة) مواطنين، كما خسرت أمريكا ما نسبته (واحدًا من 320) من مواطنيها، وخسرت بريطانيا ما نسبته (واحدًا من 127) من مواطنيها.
ومن نتائج تلك الحرب توصل العالم بقيادة منتصري الحرب إلى «نظام عالمي حديث»، يحمل كثيرًا من التناقضات، في موازين القوى العالمية ونفوذها ومعاييرها الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والتكنولوجية.
ومن النتائج المادية الملموسة تأسيس «عصبة الأمم» التي عقدت عليها الآمال في ضمان سلام وأمن دائم للجميع لم يشهده العالم منذ تأسيسها! بسبب هيمنة الدول المنتصرة عليها، مما جعلها عاجزة عن منع الحروب، وكانت أبشع النتائج لضعفها تقسيم دولة «تشيكوسلوفاكية»، ولم تتوقف الصراعات الدولية في أوروبا إلا وقد دمّرت القيم قبل تدمير المباني.
ولقد أخذ العالم العبرة من فشل «عصبة الأمم»، وجرى تطوير هيكل «مجلس الأرض» الذي أجد نفسي معترضًا على «حق النّقض» فيه؛ وأقترح إنشاء «مجلس أمن» في الجمعية العمومية، الذي يأتي دوره في حالة استعمال «الفيتو»، وأرى ألا يكون هناك «حق فيتو» كدرجة قرار أعلى، وأن تكون قراراته ملزمة، آخذين بعين الاعتبار ما تنشئه الحروب من «تحالفات» يتبعها تقسيم جديد لكل ما هو (فوق الأرض)، وإنشاء «محاكم عسكرية دولية» تنتصر للمنتصر، وقد تعاقب مجرمي الحرب كما يسمّونهم.
كما نشأت مجموعة منظمات وهيئات لها علاقة من قريب أو من بعيد بالحروب العالمية، ومنها مجموعة (أسلحة الدّمار الشامل) التي أنشئت عام 1945 وساد من خلالها مبدأ «حل النّزاعات»، إضافة إلى ما تجرّه الحروب من أزمات اقتصادية، وهيمنة دول على «رصيد العالم»، ومدّخراته، وموجوداته، وحرمان الغير، دون وجه حق.
أما نتائج الحرب المعنوية فتظهر من خلال ما يطفو على سطح العلاقات بين سكان الكون، فقد تعالى مفهوم «الأنانية»، وظهرت علامات «الجبن السياسي» في وقت لا يجب أن تظهر فيه؛ وتولد أسلوب «استرضاء للمعتدي» في صورة مذلة! إضافة إلى «التقصير» الذي أظهرته النّخب السياسية في أداء دورها؛ وهي لا تبحث عن حلول للمشاكل... وكم يذكرني هذا بوضعنا الحالي الذي تجسده مظاهر «قضية الاحتلال الصهيوني لدولة فلسطين».
وأخيرًا، فهناك ما ينشأ عن الحروب، أو ما تغذيه الحروب وتطور وجوده، وهو ما يعرف بـ»الإعلام السياسي المأجور»، وما يرتبط به من «تشويه» للتاريخ والحقائق؛ خدمة لأغراض سياسية، وصناعة «الإعلام الكاذب» بما يتدفق خلاله من معلومات ضخمة وملفقة، ومنمقة لصالح طرف على حساب طرف آخر، صناعة ترتبط بالحروب وتتكئ على شعار: «اكذب وكرر الكذبة حتى يعتقد الناس أنها صحيحة»!
فهلا اخترنا مبدأ «التفاهم» بديلاً عن مبدأ «النزاع»، فالعالم يجب أن ينتصر كله، وألا يرفع شعار «غالب أو مغلوب».