رمضان جريدي العنزي
الإحسان والكرم والأريحية لا ترتبط بحجم الثروة المالية أبدًا، وإنما هي مجموعة عوامل عديدة ترتبط ارتباطاً كلياً بالثقة بالله، إنها مناقب سامية وجليلة تصب في النفع الإنساني والإغاثة والعطاء والرقة والتسامي، إن البر والإحسان وأعمال الخير المتنوعة خلق من أخلاق الأجلاء، وسمة من سمات العابدين، وخصلة من خصال النبلاء، إن الكريم والمحسن والمعطاء محبوب من الله، ومن عباد الله، كونه صاحب خلق جميل، وأهداف نبيلة، ومبادئه واضحة، ومناقبه جليلة، ويتمتع بصفاء وسخاء، له عطاء بلا سقف، وبذل بلا حد، وكرم بلا إسراف، شيمة فاضلة، وأعماله حميدة، يعيش الطمأنية، ويتحرك بسلام، إنه يسابق الريح من أجل فعل الخير، يعمل بجهد مضنٍ من أجل إسعاد الآخرين، إنه مثل نهار الربيع، قمراً على بيوت المساكين، ونجماً عليها، ما عنده عتمة، ونهاره جلي، لا يعرف أبجدية الشح والبخل، ويكره الإمساك، بذور الإحسان عنده مثمرة، وأشجارها عالية، وحدائقها غانية، عطاؤه مثل نهر وعطر، والمدى عنده فسيح، يوقد في النفوس الفرح، ويشعل الفوانيس للعتمة، هذا ديدنه، محسن بحق، ينام الإحسان في روحه كأنه الوجد، بوجهه ضياء من فرط التوهج، وفي عينيه بريق، أعماله مثل رابية رائعة، يزهر النوار حول حوافها وشقائق النعمان، في متعة لا تقاوم، ومنظر خلاب، يسلك الصباح، وجنح الظلام، يبحث عن مريض لا ينام، وأرملة ويتيم، أو فقير أصابته الفاقة الشديدة، مثل بوصلة يعرف الجهات والمناطق والأزقة والدروب، يهرع على عجل، يزرع البيوت براً وإحساناً كي لا يموت المحتاج من وقع لهاثه، ما أتعبه الركض قط، ولا صابه بعض الوهن، نهره العذب ما جف، ولا شح ولا خالطه الكدر، ويدعج عيون المساكين بكحل الأماني العذاب، ويملأ دوائرهم المفرغة بسلال العطايا، قامته شامخة مثل نخلة، أو مثل غيمة تعطي للناظرين بشارة، هو مثل فراشة رقيقة، أو نسمة ناعمة، يحط على الروح القلقة كي يصيبها الانشراح وتستكين، ضفر جدائل الإحسان ضفيرة ضفيرة، عطره ولونه بالحناء كي يجلب للنفس الحبور والسعادة، هو كشلال له هدير، أو غدير له خرير، أو بنفسج في الساحات جميل، أو طل صباح، أو شحرور غنى لطفل يتيم أو يتيمة، هو سلال تمر، وفستق ورغيف خبز، كروم عنب، وحقل تفاح وتوت، عنده للفقير احتضان، يمسك بيده لكيلا يطيح، ويأخذه للظلال الظليلة، يحمل القناديل لهم لكيلا يتعبوا، ويوقظ في الإنسان معاني الإنسان، ولا يهمه انثيال القوافي، أو مديحلقصيد، له مرايا، وله حكايا، وله ظلال، وله بياض، وما عنده تحيز لأحد أو غضب، هو المحسن، مديد العطاء، ما ينام إلا بعد الهزيع الأخير، تبتل حناجره بالصلاة، وتراتيل الدعاء، كوردة هو، أو كوشاح أنيق، ما ارتخت يوماً في الخير عزائمه، ولا صاب عينيه الغبش، كالرحيق يهب للأرواح المتعبة شراب شفاء، وكالحمام يهدل ويذهل ويطير نحو الفضاء، وكالغيمة الداكنة، أو كالسحاب المطير.