عبدالله الباتلي
لم أدرِ كيف أبدأ كتابة كلماتي هذه، فالحزن يجتاحني منذ أيام، منذ بدأت رسائل وتغريدات الأصدقاء تنهمر معزيةً في وفاة أخينا الأكبر «محمد تومبي فرج الله» رحمه الله وغفر له وجمعنا به ومن نحب في جنات النعيم.
طَوى الجَزيرَةَ حَتّى جاءَني خَبَرٌ
فَزِعْتُ فيهِ بِآمالي إِلى الكَذِبِ
حَتّى إِذا لَم يَدَعْ لي صِدقُهُ أَمَلاً
شَرِقتُ بِالدَمعِ حَتّى كادَ يَشرَقُ بي
لم أجد ما أتكئ عليه وأنا أقرأ الخبر سوى بيتي أبي الطيب المتنبي، لا أحصي كم المشاعر التي تدافعت حينها، تذكَّرت أول مرة رأيت الرجل فيها، كنت آنذاك قد انضممت مع زملاء آخرين للعمل في قسم التدقيق اللغوي في صحيفة الجزيرة، دخلت القسم أول مرة، ألقيت نظرةً على وجوه الموجودين، فشدني حينها ذلك الرجل الأسمر العملاق بنظاراته السميكة، كان رجلاً جسيمًا مهيبا، تأملت مكتبه في زاوية المكان، ألقيت السلام فالتفت بابتسامةٍ مُرحّبةٍ ودودة، والله لا أبالغ إن قلت إني ما أزال أتذكّر وقعها في نفسي حتى الآن.
كل من عرف تومبي أدرك أنه مَدرسة متحرِّكة، فاخترت أن يكون مكتبي بجانبه، فتعلَّمت من سمته وأدبه وحكمته بقدر ما أخذت من ثقافته وإحاطته باللغة وفنونها، كان رجلاً يتتبع مواطن الجمال حيث كانت، عقدنا بيننا اتفاقًا ذات مرة، أن أُسمعه ما يعجبني من أبيات التقطها من الموسوعة الشعرية، فيشاركني مقابل ذلك بمقطع موسيقي يحبه، بسببه أحببت الجاز الإفريقي وقرأت عن جون قرنق وعلمت أن صوت محمد عبده بلغ فنادق زنجبار في السبعينيات، أحب السعودية بصدق مثلما أحببنا جوبا وجنوب السودان بسببه، ولا أظن أحدًا التقاه إلا أحبه وأحب جوبا معه.
أجمل الذكريات مرَّت بين أحاديثنا الأدبية ومناقشاتنا اللغوية ومماحكاتنا الرياضية، كان تومبي يعشق النصر وماجد، ومع ذلك كان يشاركني فرحتي بفوز الهلال دومًا، اليوم في قسم التصحيح بجريدة الجزيرة لا يبدأ رسميًا إلا إذا وصل تومبي وألقى السلام على الجميع بصوته الأبويّ وابتسامته الآسرة، وأخذ موقعه في ذلك الركن القصيّ. كنتُ حينها أعجب؛ كيف لمثل هذا العملاق أن يرتاح في تلك المساحة الصغيرة؟ لكن تومبي لم يكن يلقي لتلك التفاصيل الصغيرة بالاً، فهو إنسانٌ قنوعٌ مهني، لا يقف بينه وأداء مهمته على الوجه الأتم شيءٌ أبدا
كل من التقى تومبي أول مرة، هاب ضخامته، ولو عرفه حق المعرفة، لأدرك أن ذلك الجسد الضخم، كان معظمهُ قلبًا.
رحمك الله يا أخي الكبير، وأحسن عزاء أهلك ومحبيك، وجمعنا بك وكل من نحب في الفردوس الأعلى من الجنة.