الهادي التليلي
القيم النبيلة لا تفنى، والعولمة التي شيدت عقلاً مغايراً وغيرت النفوس وحولت البشر إلى أرقام في سياق نمذجة مقيتة لم تستطع بأي حال من الأحوال أن تنتزع بذرة الخير من البشرية. ثقافة التطوع أو العمل الإنساني أو العمل للمجموعة العامة بلا مقابل ليست ممارسة عابرة وإنما هي ثقافة جامعة فحتى المجتمعات البراغماتية الموغلة في الجشع المادي نجد فيها العمل الجمعياتي غير الربحي متفشياً والذي هو في الأساس عمل تطوعي نجد في هذه البلدان المنسوب عال جداً.
في أوروبا مثلاً نجد العمل التطوعي مساراً ترفيهياً مخصوصاً يعطف القلوب على القلوب ونلاحظ اندفاعاً ورغبة في مسارات تطوعية تمنح لحياتهم ولوجودهم معنى في مجمعات موت المعنى، يسعى الشباب لإيجاد منتج للمعنى العمل التطوعي أحياناً يتجاوز دوره كنشاط إلى العلاج النفسي للشباب الذي يعاني من القلق.
ثقافة التطوع صنعت مجتمعات وحضارات، وثقافتنا العربية الإسلامية كانت رائدة في هذا المجال. انتشار ثقافة التطوع تترجم بشكل واضح وجلي علاقة المواطن بالإدارة، ففي أوروبا الإسكندنافية يشعر المواطن بألم كبير يصل إلى حد الاحتجاج إذا تم التغافل عن اسمه في إحدى القوافل الاجتماعية يتبرع بـ40 بالمائة من راتبه دون أثر رجعي مباشر فقط لأن الإدارة حاضنة له من المهد إلى اللحد.
في السعودية وتحديداً في أداء مناسك الحج والعمرة يبهرك منسوب التطوع ففي كل لحظة تجد من يعرض عليك خدمة المساعدة حتى وإن لم تكن محتاجاً إلى المساعدة وتجد في كل لحظة مبادرات راقية مثل سقيا عرفه وفي رمضان المبارك تجد حس التطوع عالياً وهذا يرجع إلى كون تعاليم الإسلام محفزة على التطوع والعمل لوجه الله وفعل الخير كإفطار صائم وغيرها، بل تجد المجتمع كله ينخرط في هذا الفعل التطوعي وأكبر دليل يترجم هذا الكلام موائد الإفطار للصائمين في كل مكان وحي.
وحتى في جائحة كورونا القلب البشري نبض بشكل لافت في كل أنحاء العالم في شكل حقائب بعضها للمواد الغذائية وبعضها الآخر للمواد الطبية.
العمل التطوعي ليس قادماً من كوكب آخر إنه منا وفينا لذلك ابتكرت المجتمعات كيانات أطلقت عليها النسيج الجمعيات واشترطت أن تكون كل جهودها بلا مقابل وعن طواعية.
ونذكر العمل الكشفي الذي ومنذ «بادن باول» والأسر في كل أنحاء العالم ترسل أبناءها لتعلم المسؤولية والقيم النبيلة.
فبالعمل الجمعياتي تكون فسحة الأمل بأن القادم أحسن في مرحلة ما بعد كورونا وبالعمل الجمعياتي يكون الإنسان إنساناً لا آلة ومن العمل الجمعياتي تكونت المنظمات الكيانات اللا ربحية العملاقة.
الفارق بين العمل التطوعي والواجب المهني أن المهني مفروض والتطوعي اختياري، والاختيار يعني هامش الحرية لذلك السعي إليه بأكثر حماساً ومسؤولية، وبالرغم من ذلك العمل الجمعياتي كما يقال له محاذيره ويسميه بعضهم من أبواب دخول الشيطان ونعني به الإرهاب وغيره من الآفات التي تهدد سيرورة البشرية، لذلك قيمة وروعة هذه الحرية هو أن تكون مؤطرة ومحمية ومصانة من قبل الدولة.