د. محمد عبدالله الخازم
يحاول الناس الفرح في العيد، أحياناً يبتكرون طرقًا جديدة وغالباً ما يكررون أحداثًا وأعياداً سابقة ولا أدري كيف هو عيد الحج في ظل جائحة كورونا؟ الأكيد أن الحنين يقود لأحاديث (نوستالجية) بخصوص أعياد الماضي؛ فرحة الصغار وعطاء الكبار، ترحيب البيوت وابتسامة الضيوف، التباهي بالثوب الجديد وجودة لحمة العيد. ومعهم نعود للوراء، أربعين عاماً تقريباً. قبل العيد بأيام تكون ملابس العيد جاهزة ولا يستغرب أن ترى الإخوان يلبسون اللون ذاته، لأنه يتم شراء قطعة من القماش يفصلها خياط القرية ثوبين ثوبين لكل طفل من العائلة؛ أحدهما للعيد والآخر ينتظر وقت المدرسة. ننتظر صباح العيد بلهفة وشوق للبس الثوب الجديد.
الأضحية كانت ثوراً سميناً تشارك فيه ذبحة ستة من الجيران. بعد عودتهم من صلاة العيد، يخلعون الملابس الجديدة لينطلقوا في مهمة ذبح أضحيتهم بأنفسهم. في عملية هندسية كانت تبهرني، وتوضع ثلاثة أعواد متعامدة على بعضها، حيث تثبت قاعدة اثنين منها ويستخدم الثالث في رفع الثور بعد ذبحه حتى يتدلى بين الأعواد الثلاثة، يثبت ويبدأ القوم في التعاون على السلخ وتقطيع اللحم. وفي داخل المنزل يكمل تقطيع اللحم فيقسم إلى ستة أقسام، ينادى أحد الصغار ويطلب منه توزيع عدد من الساكين (قرعة) على تلك الأقسام وكل نصيبه ما تأتي عليه سكينة. وفي الوقت ذاته تطبخ ربة البيت الإفطار المكون من الخبز أو القرصان (صنع المنزل) المقلقل والكبدة والسمن واللبن التي تسابق القوم على استخراجها كأول ما يستخرج من الذبيحة، ليتسنى طبخها. يفطرون ويتضاحكون، ثم يأخذ كل منهم نصيبه إلى بيته، لإكمال المهمة في تقطيعه مع أهل بيته.
يرتاحون قليلاً، فيعودون للبس ملابس العيد الجديدة و(يتهندموا) كما يجب، لتبدأ جولة المعايدة على بيوت القرية. يتجمعون في نقطة محددة ثم ينتقلون من بيت إلى آخر، وفق نظام متعارف عليه كل عام، يتذوقون من غداء كل عائلة، رزاً كان أو عصيداً أو عيشاً. يضحكون ويتمازحون ويتذكرون قصص الأعياد والزرع والمحصول وغيرها، ولا ينسون أخبار الحج ومن ذهب للحج من أهل القرية، وما تتناقله الأخبار حول الموسم. الصغار يتباهون بأنهم كبروا بالسير مع الكبار وتقمص شخصياتهم، بما في ذلك لبس العقال والغترة البيضاء لدى البعض ووضع شيء من العود والبخور، والكبار يتباهون بأبنائهم في تلك الأحوال...
والبعض يتباهى باستعراض جودة لحم العيد فيعلقه ليراه الزوار. تستمر رحلة تذوق الغداء من كل بيت نحو ثلاث ساعات، بعدها يعودون إلى منازلهم لاستقبال الضيوف من خارج القرية الصغيرة أو لزيارة آخرين في قرى أخرى. النساء والبنات تكون جولتهن عقب انتهاء جولة الرجال. في زينة العيد، لابسات الثياب المطرزة و(المسافع) الملونة.
يقولون عيد الحج هو عيد اللحم أو الأضحية، لذا ينتهي أغلبه في اليوم الأول. لا أدري كيف عيدكم في زمن التباعد الجسدي، لعل أحد الصغار يصفه لنا بعد أربعين عاماً.
كل عام والجميع بخير..