محمد سليمان العنقري
الرياضة أصبحت رافداً مهماً للدخل عالمياً في العقود الأخيرة، وإن كانت تقع تحت قطاع الأنشطة الترفيهية لكن حجم سوقها قارب حاجز التريليون دولار سنوياً وتعد كرة القدم أحد أهم وأكبر الألعاب في هذا النشاط وتقدر بعض الأرقام أن حجم سوقها يناهز 100 مليار دولار سنوياً تشمل النقل التلفزيوني ونفقات الأندية والتذاكر والإعلانات وعقود الرعاية وقد انتقلت لعبة كرة القدم إلى صناعة في الثلاثة عقود الأخيرة بنسبة كبيرة بعد تحولات جذرية في أنظمة الاحتراف وحجم العقود الضخمة للاعبين فقد أصبحت باباً للإثراء ولم تعد تلك اللعبة الشعبية كما كانت سابقاً تقوم على الهواة قبل أن تتحول حالياً لعصر الاحتراف ويدخل بعض لاعبيها نادي المليارديرات ولكن لا يبدو أن هذا الحال سيستمر بعد أن قلبت جائحة كورونا الاقتصاد العالمي رأساً على عقب وتضررت الكثير من الأنشطة بسببها وأولها الترفيه والسياحة وخدماتهما وكرة القدم من بين أكثر الأنشطة انتكاسةً في هذه الجائحة.
ولا يبدو أن هناك عودة قريبة لهذه الصناعة وقد لا يحدث أن تكون حالها كما كان سابقاً فقبل أيام أعلنت «المجموعة الاستثمارية التي يقودها صندوق الاستثمارات العامة، وبي سي بي كابيتال وروبين براذرز «مجموعة المستثمرين» الانسحاب بشكل رسمي من الاستمرار في إجراءات الاستحواذ على شركة نيوكاسل يونايتد المحدودة ونادي نيوكاسل يونايتد لكرة القدم المحدود»، وجاءت في البيان نقطتان لافتتان هما أنه مع طول فترة الإجراءات حيث انتهت مدة الاتفاقية التجارية بين الطرفين دون إنهاء للإجراءات خصوصاً أنه واكب هذه الفترة تقلبات وتغيرات حادة بالاقتصاد العالمي مما جعل الصفقة غير مجدية من الناحية الاستثمارية إضافة إلى نقطة أخرى تتعلق بالإجراءات التي يتوقع أن تتغير في الموسم المقبل من حيث أنظمة المباريات والتدريبات وهو ما يعني كثيرًا من الجوانب التي ستتغير وفقاً لما أحدثته جائحة كورونا، وهو ما يعني أيضاً أن حضور المباريات بالملاعب قد يكون بنسب محدودة قياساً بسعة الملاعب وهو ما يؤثر في أحد أهم عناصر دخل الأندية حيث يمثل الحضور الجماهيري حوالي 20 بالمائة من إيرادات الأندية في الدوريات الأوروبية الكبرى مثل الدوري الإنجليزي فعادة ما تكون الملاعب ممتلئة وتباع التذاكر لأغلب مباريات الموسم منذ بدايته.
فالحضور الجماهيري له انعكاس على رافد أساسي ثانٍ للدخل وهو الدعاية داخل الملاعب وكذلك سينعكس ذلك بنهاية المطاف على مبيعات المنتجات الخاصة بالعلامة التجارية للنادي فهذه العوامل تخشى الأندية عالمياً وصناع كرة القدم حدوثها ولا ببدو أن الأحوال ستعود لما كانت عليه لأن كثير من الدول تتحدث عن وضع نسب لحجم الحضور الجماهيري وإذا انخفضت ايرادات الأندية من مبيعات التذكر والدعاية وتقلصت أحجام مبالغ الرعاية التي تقدمها الشركات للأندية مع تراجع ايرادتها هي الأخرى وتأثر حجم الإنفاق على النقل التلفزيوني الذي يمثل رافدًا اساسيًا يفوق 20 في المائة من ايرادات الأندية أيضاً فإن نفقات الأندية ستنخفض وستضطر للتخلص من عقود لاعبيها المتضخمة أصلاً فيعضهم وصل راتبه السنوي لأكثر من 30 مليون يورو سنوياً ولا يكاد يوجد لاعب في الدوريات الكبرى يتقاضى راتباً إلا بالملايين سنوياً وهو ما يعني أن التخلص من تلك العقود سيعني التعاقد مع لاعبين بأجور أقل وبالتأكيد بمستوى فني لا يصل الى ما هو قائم حالياً وستمثل كل تلك العوامل مجتمعةً تراجعاً كبيراً في الاستثمار في كرة القدم فحتى المجموعات التجارية التي تمتلك تلك الأندية تضررت وهو ما سيقلص من مصروفاتها وستكون الرياضة أول الضحايا ورأينا كيف تدخلت الاتحادات المحلية لدعم الأندية حتى الكبرى عالمياً مثل ما حدث في انجلترا واسبانيا وغيرها فحتى نجوم كرة القدم عالمياً صرحوا بأنها لن تعود كما كانت من حيث الاهتمام والمتابعة.
يبدو أن جائحة كورونا ستدخل صناعة كرة القدم في عملية تصحيحية طويلة نسبياً كما سيحدث لقطاعات السياحة والطيران والترفيه فجميعها أنشطة كانت هي أول الضحايا والمتضررين من الجائحة وهو ما سيعني إعادة النظر بالاستثمارات في عالم كرة القدم وسينعكس بالتأكيد على الكثير من الخدمات والصناعات المرتبطة بها سلبياً وستضطر الأندية لتخفيض عقود اللاعبين أو التخلص منها وقد نشاهد اعتزالات بالجملة بينهم وهو ما يعني بالضرورة أن تفكر كل الأندية خصوصاً في المملكة بالمستقبل القادم وكيف ستتعامل مع التغير الكبير بمسار الاستثمار والاهتمام بصناعة كرة القدم.