د. هيا بنت عبدالرحمن السمهري
في الجزء الأول من هذا المقال تطرقنا إلى مكاسب تطبيق التعليم عن بُعد كإجراء بديل في زمن تعليق الدراسة بسبب وباء (كورونا)؛ فتصدرتْ ذلك القيمة المحفزة للبنية التحتية الإلكترونية في بلادنا التي ساعدتْ في زمن وجيز على التدريس عن بُعد، وهذا ما تقاصرت عنه بعض الدول في ذات الحال والزمن. أما كفاءة وفاعلية التعليم عن بُعد وحدوده وعمقه فهو دور يجب أن يرقى إلى دراسة مستفيضة من الجهة المختصة بتقويم التعليم في بلادنا حتى نتبيّن متانة النسيج التعليمي وهو (عن بُعد)! ويبقى الكشف عن قدرات التشغيل أمرًا آخر حريًّا بوقفة أيضاً.. وأجزم أنه حان الوقت لاستحداث مرجعية عليا لاحتضان هذا النوع من التعليم في وزارة التعليم ذاتها؛ فهناك من المرجعيات الواهنة التي ذهب زمانها؛ وعفتْ ديارها، وحان الوقت أن نركز على مصانع التشغيل المنتجة لما يخدم الواقع. وأول بيارق احتضان التعليم عن بُعد هو الاعتراف بذلك النوع من أنماط التعليم حتى في الأحوال الطبيعية، وكسب الاعتراف المجتمعي به في مستويات عليا، خاصة أن مقاومة هذا النوع من التعليم حالياً لم تصمد أمام الأجيال الجديدة؛ وحيث الاعتماد في تشكيل مسرد التعليم عن بُعد وأنماطه على التقنية ومحتويات المعرفة المتميزة وبها ومنها نختصر كثيرًا من الحكايات في مجال التعلُّم، وهي تمثل الدعم الذاتي للمتعلمين، فلا بدّ من إطار مُحكم للمحتويات المعرفية الرقمية التي تُبثُ من خلال الفضاء الافتراضي الذي يثلم جداره الإسهاب حتمًا؛ وتهوي بمصداقيته فروض العبارات غير المحددة حتى يأمن التسلل خلال تلك المحتويات والعبث فيها, وأن يحيطها أسلوب من التعلّم الأكفأ والأقدر يقابله تعليم أقل مما يعني أن المحتويات يجب أن تركز على الأساسيات، إضافة إلى أهمية إقرار التفكير النقدي، وجعله حلقة أساس في بناء المحتويات المعرفية الرقمية؛ فإن سرق ذلك الأضواء فهناك أمل وعمل, وإن توارى في الحجاب فالمعرفة لا تنمو في بيئات مزيفة، وتحتم الحاجة تصميم محتويات معرفية رقمية تحتكم للعقل، وتكون محفزاً للإبداع والتألق، ومنجزاً واقعياً يعج بالفضائل الخارقة؛ ويلزم ذلك تخطيطاً دقيقاً وموارد عديدة. ومن الموارد الحقيقية للسير الممرحل نحو التعليم عن بعد بأنماطه تكشيف قنوات التعليم الموجودة؛ فهناك دوائر تتنازع السلطة، وتحديد المرجعيات أمن تقني مطلوب جدًّا، ومن الأهمية أن تُربط خرائط التعليم وقنواته تقنياً، وتكون متاحةللممارسة بما يحقق للمتعلمين دورًا للمشاركة في صنع بيئات تعليم افتراضية مختلطة، تحاكي العالم الحقيقي، وذلك كأجزاء من المناهج المقرّرة.
والخلاصة أن التعليم عن بُعد افتراض فرضه الواقع، ولم يكن من خيارات وزارة التعليم من ذي قبل!! وإلا لكانت مخرجاته أفضل؛ وحسمتْ الوزارة تقييم ذلك الافتراض بنقل جميع الطلاب للصفوف التالية، بمن فيهم طلاب الثانوية العامة دون وضع آليات تقويم مقنعة؛ فاهتز واقعه، وكان حين إقراره كبديل مستراد للمفاخرة بتعليمنا؛ وكان للمركزية التي قادتْ بها الوزارة الخطط البديلة دور في ضبابية التقويم العام والنتائج؛ فقد سحبت صلاحية الإشراف على التنفيذ من قيادات المدارس ومكاتب التعليم، وهم المحاضن الحقيقية التنفيذية للتشريعات المتخذة من الوزارة الأم. والتعليم عن بُعد في صلب المهام التنفيذية الإشرافية المناطة بالقيادات المدرسية؛ فلو كان هناك تشارك ملزم بين الطالب والمدرسة لكان زمام الأمور أمتن وأجدى، ولأمكن الحكم بنتائج أقرب للحقيقة. كما أسهم في ضبابية النتائج وعدم القناعة بها الفاصل الكبير بين أولياء الأمور والجهات المشرعة؛ فلم يكن هناك أداة واضحة للتواصل مع أولياء الأمور، ولم يزودوا بأدوات تساعدهم على متابعة أبنائهم، ولا صوت عن التعليم عن بُعد وآليات التنفيذ ونتائج التطبيق سوى صوت الوزارة!!؟ كما أن التقييم الذي مرّ مروراً هيناً على طلاب الثانوية العامة؛ وألبسهم حلل النجاح؛ فلم يخضعوا لتقييم حقيقي منصف عن ما درسوه عن بُعد في الفصل الدراسي الثاني؛ فإلغاء التقييم المدرسي في نهاية المرحلة الثانوية، ومساواتها بغيرها من الصفوف، وعدم إيجاد سبيل لإقرار الاختبارات والتقييم، وإمكانية التنفيذ التي كانت متاحة حتى داخل المدارس، إجراء يحتاج إلى وقفة وتمعن وتبصر من وزارة التعليم تحقيقاً للمصداقية في النتائج والعدالة بين الطلاب؛ فتلك مرحلة انتقالية، تتلقى الجامعات مخرجاتها، وتترتب عليها خطط القبول والتسجيل والمفاضلات بين التخصصات المختلفة؛ وحتمًا هناك فاقد معرفي تمخض عنه التطبيق؛ فلو أن وزارة التعليم قامت ببناء اختبارات تشخيصية لمعرفة الفاقد التعليمي لإمكانية تضمينه في مقررات العام القادم في كل صفوف التعليم العام المتاحة عدا طلاب الثانوية العامة الذين غادروا «بجر الحقائب»..
وختامًا: يبقى التعليم عن بعد مستراد عالميًّا، نالت بلادنا فيه باقات ثناء كبديل تعليمي؛ فنأمل أن تسد ثغرات التطبيق بشفافية تقويم عالية؛ وأن تبنى استراتيجيات متينة تحقق سلامة محتويات المعرفة الرقمية، وتأثير المعلمين عبر الفضاء الافتراضي التقني، والمشاركة الحقيقية من أولياء الأمور.