د. تنيضب الفايدي
من زار حائل أو يزورها يشعر بالألفة والمحبة، كما يشعر أن ذلك لا يقتصر على أهلها فقط بل يحسّ بأن هناك علاقة تربطه بجبالها وأوديتها وأرضها عموماً، وهناك رائعة من روائع الأدب العربي قيلت في القرن السادس الهجري أي قبل أكثر من ثمانمائة عام، رصدت تلك المشاعر وعنوان تلك الرائعة (كثبان طي) أو بالأصح أول بيت بها ينتهي بكثبان طي ويسرّني إهداء سبع أبيات من هذه الرائعة، وحيث شملت كلمات تخص المدينة المنورة مثل: الجزع، النقا، عِين النقا، المنحنى، فلابد من إيضاح لكل كلمة باختصار والتعريف بها أدبياً.
كثبان: جمع كثيب وهو التل الرملي الصغير وإذا كبر يسمى (الأحقاف) جمع حقف وهو الجبل الرملي الكبير.
طي: قبيلة عربية عريقة ضاربة في التاريخ منها حاتم الطائي، وسفانة بنت حاتم الطائي، وعدي بن حاتم الطائي (رضي الله عنهما) وكثيرٌ من الشعراء أمثال أبو تمام والبحتري وكفى بذلك للقبيلة فخراً.
الجزع: منحنى الوادي وهو جانب مرتفع عن مجرى الوادي وعادة يكون السكن ومقر الخيام.
ألا إن وادي الجزع أضحى ترابه
من المسك كافوراً وأعواده رندا
وما ذاك إلا أن هنداً عشية
تمشت وجرت في جوانبه بردا
النقا: الجانب الأيسر لوادي البطحان عند دخوله المدينة المنورة القديمة.
عين النقا: عين (بكسر العين) جمع عيناء أي واسعات الأعين حسانها، وحسن عين الأنثى يعتبر مجمع الحسن وأعظم الأدلة على جمالها، ولاسيما إذا كانت حوراء (حور عين) والحوراء التي في عينها كَحل وملاحة وحسن وبهاء. قال الشاعر:
من عذيري يوم شرقي الحمى
من هوىَ جدّ بقلبٍ مزحا
نظرةٌ عادت فعادت حسرة
قتل الرامي بها من جرحا
قلن يستطردن بي (عين النقا)
رجلٌ جُنَّ وقد كان صحا
اذكرونا مثل ذكرانا لكم
رب ذكرى قربت من نزحا
واذكروا صباً إذا غنى بكم
شرب الدمع، وعاف القدحا
المنحنى: يقابل النقا من الجهة الشرقية من وادي بطحان أي: جنوب وشرق مسجد الغمامة حالياً. وقد تغير وضعه وأصبح موقعه عمارات شاهقة.
أما الأبيات التي تم اختيارها وإهداءها إلى حائل وأهلها فهي:
سَائقَ الأَظْعَان يَطوي البِيدَ طَيْ
مُنْعِماً عَرِّجْ على كُثْبَانِ طَيْ
وبِذَاتِ الشِّيحِ عَنِّي إَنْ مَرَرْتَ
بَحَيٍّ مِنْ عُرَيْبِ الجِزْعِ حَيْ
وتَلَطَّفْ وَاجْرِ ذِكْرِي عِنْدَهُمْ
عَلَّهُمْ أَنْ يَنْظُرُوا عَطْفاً إِلَىْ
قُلْ تَرَكْتُ الصَّبَّ فِيْكُمْ شَبَحاً
مَالَهُ مِمَّا بَرَاهُ الشَّوقُ فَيْ
رَوِّحِ القَلْبَ بِذِكْرِ المُنْحَنَى
وَاَعْدْهُ عَنْدَ سَمْعِي يا أُخَيْ
لَمْ يَرُقْ لِي مَنْزِلٌ بَعْدَ النَّقَا
لاَولاَ مُسْتَحْسَنٌ مِنْ بَعْدِ مَيْ
مَا رَأَتْ مِثْلَكِ عَيْنِي حسناً
وكَمِثْلِي بِكِ صباً لَمْ تَرَيْ
آهٍ وَاشَوقِي لِضَاحِي وجهِهَا
وظَمَا قَلْبِي لِذَيَّاكَ اللُّمَيْ
سَائقَ الأَظْعَان يَطوي البِيدَ طَيْ
مُنْعِماً عَرِّجْ على كُثْبَانِ طَيْ
وتسرّك حائل عند زيارتها وقد اتسعت اتساعاً هائلاً خلال الأعوام الماضية وفي جميع الاتجاهات، وخططت كأحدث مدينة عصرية، فاتسعت شوارعها وتعددت ميادينها وازدهرت أسواقها وتألقت (فنادقها) جمالاً ورفاهية وفي كل موقع من حائل (المدينة)، منها ما اكتمل وأصبح جاهزاً للاستقبال، ومنها ما يسابق الزمن ويزهو باكتماله ليرتقي بتقديم الخدمات (الفندقية) كتلك التي سبقته، ولعلّ أكثر ما يبهرك المدينة الجامعة بحائل أو هكذا خيّل لي لعظم المساحات التي أنشئت عليها جامعة حائل الفتية رأيتها رأي العين، ولمست جمال المباني حيث أقيمت ليال أدبية وكنت مشاركاً فيها داخلها، وتشعر بأنها مفتاح نجاح للتأهيل الأكاديمي تعتزّ بها كل طالبة وطالب من أبناء وبنات حائل وتتسع حائل في جميع الاتجاهات فكأنها عشقت الجهات الأربع مع مواءمة موفقة للحفاظ على جمال البيئة ومكوناتها ولاسيما النباتات والأشجار البرية، وكذا توافقها مع الأشجار والنباتات المزروعة مع المحافظة على السهل والجبل بل وحتى الصخور والرمال بقيت بجوار الطرق المنتشرة كما هي، وأعتقد أن منطقة حائل متفردة في المحافظة على البيئة بين مناطق الوطن الغالي ولايختص هذا الاهتمام بحائل ذاتها بل بالنطاق الإشرافي لها الذي يشمل الكثير من المحافظات والمراكز والقرى والهجر المتباينة في تضاريسها من جبال وأودية وسهول وصحار ولعلّ التضاريس المتباينة هي سرّ جمال منطقة حائل واستطاعت حائل أن تجمع بين الحضارة وجمال البيئة وذكّرني الجمع بين الحسنيين قول ابي الطيب المتنبي:
حُسْنُ الحضارةِ مجلوبٌ بتطْرِيَة
وفي البَدَاوةِ حُسْنٌ غيرُ مجلوبِ
أفدِي ظِبَاءَ فلاةٍ ما عَرفْنَ بِها
مضْغَ الكلامِ ولا صَبْغَ الحَوَاجِيبِ