الرياض - خاص بـ«الجزيرة»:
نبه أكاديمي متخصص في السنة النبوية من خطورة وانتشار ظاهرة الطعن في أحاديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، تارة بالكذب، وأخرى بالتشكيك والتزييف، وانتشارها عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وجرأة الكثير من الناس على أحاديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بمجرد عقولهم، وأهوائهم، وعدم اعتبار نظر العلماء المحققين، ولا احترام الأئمة المصنفين، ومنهم من يكون لديه قليل من العلم فيتجرأ بمتشابه ما بلغه للتشكيك في السنة، وضرب بعضها ببعض، حتى بدأ الكثير من الناس يسمعون الجرأة على أشهر مصنفات الإسلام الجامعة للسنة وأحاديثها كصحيح الإمام البخاري وصحيح مسلم، حتى اختلط حابل القوم بالنابل، وتكلم الجاهل، وعبث الماكر بسنة النبي - صلى الله عليه وسلم -.
وقال الشيخ الدكتور بدر بن علي بن طامي العتيبي عضو هيئة التدريس بمعهد الأئمة والخطباء بالرياض، والباحث الأكاديمي في السنة النبوية، في حديث لـ «الجزيرة»:
إنه لمن المؤسف أنه حتى اليوم لم تنتصب جهة شرعية رسمية للدفاع عن السنة، وحماية جنابها، والردّ على العابثين لحرمة السنة النبوية التي هي أساس الدين، والدنيا كذلك، بل الحكم أيضاً، كما هو أصل المادة الأولى في النظام الأساسي للحكم بتحكيم الكتاب والسنة، واتخاذ الإسلام دينًا. فالجرأة عليها جرأة على كل ذلك، وما يأتي وراء ذلك من عبث في عبادة الناس، وعقودهم، ومعاملاتهم، والحلال والحرام؛ فكان الجدير بالجهات الشرعية كافة بشتى وجهاتها، كما أن من جهودها: «الدعوة والإفتاء ونشر السنة»، كذلك يكون من أعظم مهامها: «الذب والحماية، والرد على المشككين» بأقلام علمية متقنة مهيأة للقيام بمثل هذه المهام. وإن النفس لتمتلئ فألاً بمكرمة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز - حفظه الله تعالى - بما أمر به من إنشاء «مجمع الملك سلمان للحديث النبوي»، وأن يكون من أعظم جهوده متابعة الساحة الإعلامية، والتحذير من الأحاديث المكذوبة، والذب عن الأحاديث الصحيحة التي يتجرأ عليها الجهال والمغرضون، وكذلك تشكيل لجنة «الإفتاء الحديثية»، ومهمتها: استقبال الفتاوى المتعلقة بالأحاديث تخريجاً وصحةً وضعفاً، تحت منصة الكترونية، أو تطبيقاتٍ في الهواتف المحمولة.
وشدد الدكتور بدر العتيبي قائلاً: هذا دين رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وحقه علينا عظيم بحمايته، والذب عنه، وصيانة جنابه من جرأة أهل الجهل والتشكيك. قال الله تعالى يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا (النساء: 59)، ويقول تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ (الأنفال: 20)، وقال تعالى: وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (الحشر: 7)، وقال صلى الله عليه وسلم: «تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي أبدًا: كتاب الله وسنتي» رواه مالك في الموطأ، وقال عليه الصلاة والسلام: «كل أمتي يدخلون الجنة إلا من أبى»، قالوا: يا رسول الله، ومن يأبى؟ قال: «من أطاعني دخل الجنة، ومن عصاني فقد أبى» رواه البخاري، وقال عليه الصلاة والسلام: «ألا هلْ عَسَى رجلٌ يَبْلُغُهُ الحديثُ عنِّي، هو مُتَّكئٌ على أرِيكَتِهِ، فيقول: بيننا وبينكم كتابُ الله، فما وجدنا فيه حلالاً استحللْناهُ، وما وَجَدْنا فيه حرامًا حرَّمْنَاهُ، وإن ما حرَّم رسولُ الله كما حَرَّمَ اللهُ». فهذه النصوص وما شابهها تقضي بحجية سنة النبي - صلى الله عليه وسلم -، وأنها مما أوحاه الله تعالى للنبي - صلى الله عليه وسلم - كما أوحى إليه بالقرآن؛ ولذلك اجتهد الصحابة - رضي الله عنهم - في حفظ سنة النبي - صلى الله عليه وسلم -، والذب عنها، وكذلك كان التابعون وأتباعهم بإحسان، حتى بدأ تصنيف السنة، وجمع الأحاديث، فاصطفى الله تعالى خيار البشر، وصفوة الخلق، وأجلة العلماء: كالإمام مالك والشافعي وأحمد بن حنبل ومَن جاء بعدهم كأبي داود السجستاني والترمذي ومحمد بن إسماعيل البخاري ومسلم بن الحجاج وغيرهم، فاجتهدوا في جمع سنة النبي - صلى الله عليه وسلم -، وتمييز الصحيح من الضعيف، والمعمول به وما كان خلافه، واجتهدوا في الفقه والاستنباط، فسهلوا الشريعة للناس، وصار الحال وكأن النبي - صلى الله عليه وسلم - حيٌّ بين الناس، يتناقلون كلّ أخباره وأحواله وأخلاقه وأسفاره ويله ونهاره وأكله ولباس، وسائر أموره عليه الصلاة والسلام؛ لأنه رمز الاقتداء، وراية الاهتداء، كما قال تعالى: لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا (الأحزاب: 21). ودعا النبي - صلى الله عليه وسلم - لمن سمع سنته، ونشرها بين الناس، وقال: «نَضَّر الله امرأً سمع مقالتي فوعاها، فأدَّاها كما سمعها، فرُبَّ مبلَّغ أوعى من سامع ورُبَّ حاملِ فقهٍ وليس بفقيه، ورُبَّ حاملِ فقهٍ إلى من هو أفقه منه» رواه أبو داود والترمذي. وكما حصل في الأمم السابقة من الكذب على الله ورسله، كذلك يقع في هذه الأمة؛ ولذلك أنذر النبي - صلى الله عليه وسلم - من الكذب عليه، وقال: «إن كذبًا عليّ ليس ككذب على أحد، من كذب عليّ متعمدًا فليتبوأ مقعده من النار» متفق عليه، بل حذر من مجرد نقل الخبر المكذوب! وسماه النبي - صلى الله عليه وسلم - كاذباً فقال: «مَنْ حدَّثَ عنِّي بحديث يُرى أنه كذب، فهو أحد الكاذِبيْن» أخرجه مسلم والترمذي. وأثنى النبي - صلى الله عليه وسلم - على مَن يدافع عن سنته - صلى الله عليه وسلم -، وقال: «يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله، ينفون عنه تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين».
وكما يُذم الكذب على رسول الله، كذلك يذم -وأكثر - تكذيب رسول الله، وتكذيب نقلة سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.