إعداد - خالد حامد:
لا يوجد هناك أي حب مفقود بين تركيا واليونان، ولكن خطر اندلاع الحرب بين الدولتين العضوين في حلف الناتو لم يكن بهذا الارتفاع منذ بدء الصراع القبرصي قبل أكثر من خمسة وأربعين عامًا.
في الماضي، ذهبت تركيا واليونان إلى حافة الهاوية، لكن السياسات التي بدأها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان قد تدفع الجارتين نحو حرب حقيقية.
قامت الطائرات المقاتلة اليونانية والتركية بمعارك جوية وهمية الأسبوع الماضي فوق جزيرة كاستيلوريزو اليونانية، على بعد ميل ونصف من الساحل التركي، مما تسبب في فرار السياح. وفي الوقت نفسه، هناك خطر متزايد من حدوث تصادم بين البحرية التركية ونظيرتها اليونانية، على بعد مئات الأميال إلى الغرب إذا مضت تركيا قدماً في خططها باجراء مسح للتنقيب عن الغاز في المنطقة الاقتصادية التابعة لليونان.
يقول المسؤولون اليونانيون إن جميع الخيارات مطروحة على الطاولة، وقد هرعت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل للتوسط في وقت لا يزال فيه المسؤولون الأمريكيون غائبين إلى حد كبير.
هناك قضيتان مترابطتان محل تساؤل هما: جهود أردوغان للانسحاب من معاهدة لوزان ويأسه المتزايد لإيجاد موارد لإنقاذ الاقتصاد التركي المتعثر.
لقد تم توقيع معاهدة لوزان قبل سبعة وتسعين عامًا بهدف تسوية وضع الأناضول وتراقيا الشرقية (القسم الأوروبي من تركيا حالياً) في الدولة العثمانية وذلك بأبطال معاهدة سيفر التي وقعتها الدولة العثمانية. وبينما يلوم الأكراد تلك المعاهدة بسبب إغفالها وعود إقامة دولة كردية، رسمت المعاهدة حدود تركيا مع بلغاريا واليونان وسوريا والعراق. مهما كانت العيوب التي جاءت مع هذا الترسيم، فإن النظام الذي قام بعد معاهدة لوزان أتاح ما يقرب من قرن من الاستقرار في تلك المنطقة.
ولأســــباب أيديولوجيـــة واقتصادية وذاتية، يسعى أردوغان الآن إلى التراجع عن معاهدة لوزان: الأيديولوجية لأن أردوغان يسعى لاستعادة السيطرة على بعض المناطق العثمانية وتغيير التركيبة السكانية لمناطق خارج حدود تركيا؛ أما فيما يتعلق بالاسباب الاقتصادية لأن تركيا تسعى لسرقة موارد من مناطق اقتصادية يونانية وقبرصية معترف بها؛ والذاتية، لأن أردوغان يريد أن يتفوق على إرث أتاتورك كقائد منتصر.
لقد مهد أردوغان بالفعل المسرح لإلغاء معاهدة لوزان. ففي ديسمبر 2017، صدم أردوغان جمهورًا يونانيًا عندما طرح الفكرة خلال زيارة للعاصمة اليونانية. بعد ثلاثة أشهر، أشار إلى أن كاردزالي Kardzhali البلغارية كانت ضمن «الحدود الروحية» لتركيا، مما أثار احتجاجات في بلغاريا التي كانت في ذلك الوقت تتولى رئاسة الاتحاد الأوروبي. ظهرت الصحف التركية التي تسيطر عليها الدولة في اللعبة وتظهر خرائط تركيا مع تعديل حدودها على حساب الدول المجاورة.
آخر محاولات اردوغان للتخلص من إرث معاهدة لوزان هي أخطر خطواته، فقد أرسلت تركيا سفينة المسح الزلزالي Oruc Reis للعمل في المياه المحيطة بالجزر اليونانية. مثل هذا العمل سيكون غير قانوني واستفزازي. وبموجب شروط اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار (UNCLOS)، تطالب اليونان بالمياه الإقليمية حول جزرها لاستكشاف واستغلال الموارد البحرية. تركيا ليست عضوًا في اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار وتتجاهل القانون العرفي وتقف بمفردها في تفسيرها لتلك الاتفاقية.
في الواقع، تسعى تركيا إلى مراجعة ليس فقط القانون الدولي ولكن أيضًا السيطرة المحتملة على موارد مئات الجزر اليونانية في بحر إيجه. هناك ما لا يقل عن ثماني عشرة سفينة حربية تركية في المنطقة المجاورة مباشرة. وبالنظر إلى المخاطر، ليس أمام اليونان خيار سوى الرد، ولهذا السبب أصيبت عواصم الاتحاد الأوروبي بالذعر.
يدرك القادة الأوروبيون أيضًا أن هذا ليس مجرد نزاع حول بحر إيجه. ففي نوفمبر 2019، وقعت تركيا على اتفاق مع ليبيا لإنشاء حدود بحرية مشتركة بين البلدين، وهو أمر ممكن فقط إذا تجاهلت تركيا الجزر اليونانية حتى جزيرة كريت، وهي جزيرة أكبر من ولاية ديلاوير الأمريكية بنسبة 25 في المائة.
غالبًا ما يقوم القادة الأمريكيون والأوروبيون بتجزئة المشاكل، ولكن لا يمكن فهم استراتيجية أردوغان إلا بشكل كلي. ليس من قبيل المصادفة أنه يشكك في التزام تركيا بالعيش داخل الحدود التي تم تأسيسها منذ ما يقرب من قرن من الزمان ويتعدى على المياه اليونانية والقبرصية.
الانحناء إلى المعتدي نادراً ما يجلب السلام بل يشجع فقط على العدوان. إذا قرر أردوغان التحرك في شرق البحر الأبيض المتوسط، فقد تحتاج اليونان إلى القتال. بالتأكيد، ينبغي أن تنظر أثينا في جميع الخيارات لتكون على الطاولة. إذا حدث مثل هذا السيناريو، يجب ألا تكون الولايات المتحدة محايدة، بل يجب أن تعترف علنًا بأن تركيا هي المعتدي وأن ادعاءاتها باطلة.
** **
* مايكل روبين هو باحث مقيم بمعهد أميركان إنتربرايز - عن مجلة (ناشيونال انترست)