إيمان حمود الشمري
ما زال البعض يؤمن بالسيرة الذاتية التي يجتهد الموظف بحشوها بكمية من الدورات التدريبية التي في الكثير من الأحيان لا علاقة لها حتى بتخصصه، وإنما يضطر لوضعها كي تبدو السيرة الذاتية أكثر قيمة، وما زالت الإجابات النموذجية هي ما يلفت أرباب العمل أكثر من الإجابات الصادقة حتى حفظناها عن ظهر قلب، س: كيف كانت إدارتك السابقة؟ ج: رائعة والمدير خلوق وطاقم العمل متعاون، س: لماذا تركت عملك السابق إذاً؟ ج: لأنني أرغب في تطوير نفسي بالعمل في مجال آخر، سلسلة لا تنتهي من أجل إرضاء الإدارة الجديدة التي لا يجرؤ الموظف الجديد فيها على قول الحقيقة له، أما الراتب فيعتبر منطقة محظورة في المقابلة الشخصية وغير مشروع التطرق لها، باعتباره سؤالاً حساساً يستفز جهة العمل الجديدة، وكأنه أتى للعمل تطوعاً وليس من حقه أن يسأل عن المدخول الذي سوف يعيله ويعيل أسرته، نقرأ ونتعلم خطوات المقابلة الشخصية لدى البعض، ونذهب لها وكأنها مشهد تمثيلي حفظنا فيه الدور وكررناه عدة مرات أمام المرآة قبل أن نأتي لنبدو ممثلين مقنعين محترفين.
يفتقر بعض أرباب العمل الموهبة باكتشاف الموظف المناسب للمكان المناسب، لعدم وجود أسس تعتمدها المؤسسة في إجراء المقابلات الشخصية، وذلك بإعداد أسئلة متنوعة ومركزة حسب الوظيفة وغير تقليدية، يكون فيها التركيز على الشخصية والمهارات التي يمتلكها المتقدم لا على التخصصات والدورات وعدد سنوات الخبرة التي قد تعتبر في أحيان كثيرة إدانة لموظف يعمل لسنوات دون أن يحدث أي تغيير في شركته، مثل لاعب قديم في فريق كرة قدم لم يحرز هدفاً واحداً لمنتخبه فهل تعتبر أقدميته ميزة له؟
قبل فترة لفت نظري توقيع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب على قرار تفضيل المهارة على الشهادة، وأعتبره من أذكى القرارات التي سوف تمحو ظاهرة شراء الشهادات الوهمية، والتي سوف تثري سوق العمل باعتبارها أداة قياس دقيقة سنعرف من خلالها لماذا هذه الشركة تفوقت على تلك؟ ولماذا هذا الموظف يعمل بكفاءة عالية أكثر من زميله؟ ولماذا هذا الموظف نجح في الشركة (أ) دون الشركة (ب)؟ لأن ببساطة شديدة اختيار الشخص المناسب للمكان المناسب مطلب أساسي للنهوض بمستوى المؤسسة.
إعلاميون نجحوا ولم يكونوا يحملون شهادة الإعلام، وشعراء برزوا وتخصصهم لا يمت لميولهم ومهاراتهم بصلة، ومديرو بنوك يحملون تخصصات أدبية، وأطباء اتجهوا لشغفهم بالكتابة وحققوا نجاحاً لافتاً مثلما حدث مع طبيب الأسنان الدكتور علاء الأسواني الذي كتب عمارة يعقوبيان ورواية شيكاغو، والأمثلة للناجحين كثيرة لأشخاص برزوا لأنهم لحقوا شغفهم وميولهم، ليس شرطاً أن تكون الشهادة لها علاقة بالإمكانات والمهارة، لأن التخصص الأكاديمي قد يحصل لشخص دون الآخر، حسب الظروف الميسرة، وحسب الخيارات المطروحة، وحسب الفرص التي ينالها البعض دون البعض، فهل آن الأوان لنلتفت لأصحاب المهارات بدلاً من أن تضيع فرصهم بين عبء السيرة الذاتية وسخافة أسئلة المقابلات الشخصية؟.