خالد بن حمد المالك
تحاول قطر أن تبني لها موقعًا مؤثرًا في السياسة الدولية، وفي الأمن العالمي، غير مستوعبة أنه لا مكان لها في ذلك، حتى وإن وظّفت المال في خدمة أهدافها، وأنفقت غالب إيراداتها في بناء علاقات مع دول وأشخاص مؤثرين، بل حتى وإن استخدمت الإعلام كقوة ناعمة في الوصول إلى ما تخطط له وتسعى إليه.
* *
انحازت قطر إلى تنظيم الإخوان المسلمين أينما كان وجوده، وراحت تدعمه بالمال، وتستضيفه على أراضيها، وتخطط مع قادته ومفكريه على ما يكرس أوهام الدوحة لتكون قوة يُحسب لها حساب في المعادلات السياسية والاقتصادية والأمنية. ونسيت أن هذا التنظيم فوق كونه تنظيمًا إرهابيًّا فهو الآن في أسوأ وضع؛ فقد هُزم في مصر، وقُصت أجنحته في المملكة ودول الخليج، وهو كما الغريق في مشكلاته.
* *
وتمادت الدوحة في التعاون مع تركيا في مواجهة ما أسمته الحصار، فلم يفك أردوغان هذا الحصار، مع وجود القاعدة العسكرية التركية في الدوحة، والوجود العسكري التركي المكثف في قطر، وإنما أغرق قطر بكثرة المطالبات المالية، والمساعدة القطرية ماليًّا في معالجة أزمات تركيا الاقتصادية والمالية التي لها أول وليس لها نهاية، دون أن تحصد الدوحة من هذا التحالف إلا المزيد من الخسائر، مع بقاء مقاطعة الدول الأربع لقطر على ما هي عليه.
* *
لقطر تحالف آخر مع إيران، ومشاركة أخرى في التآمر على دول الخليج واليمن، بما لا تخفيه قطر أو تخجل منه، أو تملك أي تبرير له؛ ما يوضح أن القرار في قطر، ومَن يتحكم في مفاصله هم تركيا وإيران وحزب الله اللبناني وحماس في غزة، من خلال المقيمين منهم في قطر، حيث إسناد المناصب العليا في الدولة لهم، دون وجود مصلحة لقطر بأن تكسب هؤلاء الأعداء على حساب الأشقاء، ودون أن يكون هناك أي أمل لها بأن تتغير صورتها ومكانتها وإمكاناتها كدولة صغيرة جدًّا، معزولة عن محيطها، وحيث بان للجميع أنها تتخبط في سياساتها وقراراتها.
* *
الغريب أن أحدًا من الدول العربية غير المقاطعة لقطر لا تنصح الدوحة بتجنب التحالفات المضرة بها قبل أن تكون مضرة بالدول التي تقاطعها، خاصة إن قطر تغرق الآن بطوفان من المشكلات، ومع ذلك فهي تصر على العناد، وتواصل الادعاء بأنها لم تتضرر من المقاطعة، وهو ما لا يتماهى مع بكائياتها لدى المحاكم والمرجعيات الدولية من أنها أثَّرت عليها المقاطعة، وما زالت تطالب بفك ما تسميه بـ»الحصار» عنها؛ لتعود الحياة إلى طبيعتها، وبمثل ما كانت عليه قبل المقاطعة.
* *
سؤالنا: ماذا تريد قطر؟ وهي التي تتآمر على أشقائها، وتدعم كل من يعاديهم، وتريد من هذه الدول أن تغض الطرف عن سلوكياتها المشبوهة، بما في ذلك التسجيلات بأصوات الحمدين التي تُظهر أن المؤامرة كبيرة، وليست بنت لحظتها، وأنه كان يُخطَّط لها منذ وقت مبكر، بالتعاون مع جهات عدة، ولم يظهر على السطح بالصوت حتى الآن إلا ما كان مع معمر القذافي، وما خفي أعظم وأخطر.
* *
نعم، ماذا تريد؟ فكل مؤشرات السلوك القطري مزعجة، وعبثية، وطفولية، وإن كان مصيرها الفشل، لكن الخوف أن تكون قطر هي الضحية، مع تزايد هيمنة الأعداء على مفاصل القرار فيها، وهو ما لا يدركه أميرها والمسؤولون فيها، فهل حان الوقت لنقرع الجرس، وتتذكر الدوحة أن القادم سيكون الأسوأ والأخطر على نظامها، لا على جيرانها المشفقين عليها؟