د. محمد بن إبراهيم الملحم
استكمالاً لعرضي لكم تقرير «التعليم في السعودية» الذي صدر -مؤخراً- عن المنظمة الدولية للتعاون الاقتصادي والتطوير OECD، فقد ذكرت مسبقاً أن التقرير أورد أربع قضايا لتطوير التعليم في المملكة، سردت شيئاً عن أولها؛ وهو تحسين الحوكمة والقيادة المدرسية، وأستكمل هنا عن تحسين جودة مهنة التدريس؛ حيث ذكر التقرير أن مبادرات تحسين مهنة التدريس أثمرت المعايير الجديدة للمسارات المهنية للمعلم وبرنامجاً جديداً لتأهيل المعلم، والذي يقدم للخريجين الجامعيين، بالإضافة إلى إعادة صياغة دور المشرف التربوي.
ويرى التقرير نحو مثل هذه المبادرات، أنه إذا ما كانت هناك جدية في المتابعة والتطبيق، مع إشراك المعلمين في قراراتها، فسيكون لها أثر إيجابي للتطوير النوعي للتدريس، كما يشير التقرير إلى عدم توافر معايير مهنية للمعلمين حالياً، سوى ما يقوم به الإشراف التربوي من جهود ذاتية، ومع أن المعايير الجديدة التي تصدرها هيئة تقويم التعليم واعدة، إلا أنها تحتاج أن تركز أكثر على المحتوى المعرفي بطرق التدريس، باعتباره أحد أهم المنبئات للنجاح في مهنة التدريس، والأهم من ذلك ضرورة تبني استراتيجية جيدة واضحة لتطبيق هذه المعايير واستيعاب جميع المعلمين لها، ويجب أن تركز الجهود بالتدريج على الرخصة المهنية لمستوى المعلم الممارس أولاً، يليها المتقدم ثم الخبير، كما ينبغي أن تتضمن طريقة مناسبة للتعامل الإداري مع الفئة متدنية الأداء جداً؛ مثل الحوافز المالية لمغادرة الوظيفة (الشيك الذهبي) كما ينبغي لها أن تحرص على نشر مقبولية عالية لقواعد السلوك التي ترافق المعايير من خلال إشراك المعلمين في صياغتها والتعريف بها.
التقرير يؤكد أن الدبلوم العالي التربوي كمتطلب لمهنة التدريس، سيحسن من فئة معلمي المستقبل الذين سيتم توظيفهم، وهذا النوع من الإصلاح يتطلب عدداً من الإجراءات ليحقق النجاح: أولها تحسين تخطيط الموارد البشرية؛ سواء للاحتياج أو للخريجين، وثانيها يتعلق بنظام «جدارة» للتوظيف، فينبغي فيه إعطاء الأولوية القدرات على الأقدمية كمعيار مفاضلة، كذلك ينبغي الاهتمام بعمل اختبار في مادة التخصص كمتطلب لدخول برنامج الإعداد لمهنة التدريس (الدبلوم العالي)، ويفضل أن يدعم ذلك بمِنحٍ تُعفي الحاصلين على نتائج عالية من رسوم البرنامج، حيث إن مثل هذا الحافز سيعطي قيمة كبرى لمهنة التدريس، ولضمان جودة برنامج الإعداد المهني فإنه يجب أن تصاغ له معايير اعتماد أكاديمي، تضاهي الممارسات الدولية المرجعية، ويمكن أن يدعم ذلك بشراكات دولية. كما أشار التقرير إلى ضرورة تقوية نظام فترة التجربة ليتحقق ضمان أن جميع الخريجين مؤهلون للتدريس قبل منحهم الرخصة.
كذلك يرى التقرير اضطراب التقييم على رأس العمل ونمو المعلمين المهني، وذلك لأنه يتم من خلال عناصر خارجية عن المدرسة، وهم المشرفون التربويون، ولذلك فالتقييم غير بنائي نمائي، وإنما تقييم يتم لأغراض إدارية بحتة، وهو ما يجعل دوره ضعيفاً، وهذا أيضاً يصعب من التعامل معه في هيئته المركزية عبر بلد متسع جداً كالسعودية، ولهذا فإن التقرير يدعو إلى إعادة تعريف تقييم المعلم ليؤدي دوره التطويري، بحيث يكون من خلال قادة المدارس الذين يجب أن يُدرَّبوا بكفاءة ليقوموا بدور أفضل في الارتقاء المهني بالمعلمين، وفي نفس الوقت فإن المشرف التربوي يمكن إعادة صياغة دوره ليختص بالدعم الفني للتطوير المهني، خاصة في ظل تطبيق المعايير الجديدة للمعلمين، كما أنه من الأفضل أن يكون هناك تدريب لعدد من الكفاءات التربوية السعودية ليصبحوا مقومين معتمدين على مستوى دولي مرموق، وهذا سيوفر للنظام التعليمي مزيجاً من التقييم الداخلي المعتاد، والذي تم تقويته بمثل هذا التدريب والتأهيل المميز جنباً إلى جنب مع تقييم برنامج «كفايات»، مما سيوفر عاملاً قوياً لتحسين محتوى وأداء التطوير المهني، كما أشار التقرير إلى التدريب عن بُعد وإعطاء المعلمين القياديين الفرصة للمشاركة في مجالات متنوعة من العمل التربوي، فكل هذه فرص لخلق قيمة إضافية لها دورها في تبادل الأفكار والارتقاء النوعي بالأفراد، وسنستكمل ما ورد في التقرير الدولي لاحقاً عن المناهج والتقييم، فابقوا معنا.