رمضان جريدي العنزي
الناس تتباين وتختلف في الطباع والسلوك والأخلاق، فلا يمكن أن يكونوا على درجة واحدة من الطباع، إن الغلو والتطرف والتنطع موجود منذ أن خلق الله الخلق، وكذا الاعتدال والتوازن والعقلانية، إننا نجد البعض من الناس مغموسًا بالخطأ والغلط، ونرى في الجانب الآخر البعض منهم مغموسًا بالصح والسلامة، لا يمكن الحكم على الناس بدرجة متساوية، ولا من منظور واحد، والتقييم المنصف لا يعم الجميع، والقياس يختلف، إن الحكم على الناس بهذا الشكل دون تفريق مسألة مرفوضة بتاتًا، ولا يقبلها عقل ولا دين ولا حتى عُرف، إن من يصدر تعميم الشر والفسق والنفاق على الناس كلهم مجانب للحقيقة والصواب، ولا يعرف العدل والإنصاف، إنه الغلو والتطرف والتنطع، أن جعل الناس في ميزان واحد، وبوتقة واحدة، نظرة يشوبها القصور، وعمل ناقص، ونزعة عدوانية على الناس كلهم، وهذا ما لا يرضاه العقلاء، إن التوازن والاعتدال هو طريق الحقيقة الموصل إلى التفاعل والتعايش المشترك بين الناس، وسبيل الحفاظ على المحبة والمودة بينهم، إن الاعتدال هو مفهوم ديني واجتماعي لا يستقيم الكون ولا تعتدل الحياة إلا بهما، قال تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا }، إن الشعوب الواعية المتحضرة علت وتقدمت كونها أخذت بمنهج التوازن والاعتدال، وطبقته على كل ما يرتبط بشؤون حياتها، لهذا نجحت تلك الشعوب وارتقت، بعد أن رمت بعيدًا منهج التطرف والغلو والتنطع لأنها عرفت جيدًا بأنه منهج خراب وتيه وفساد، وفكر جامد ينافي مبادئ الحياة القويمة النقية السليمة، إن التطرف والغلو مهلك ما طغى على شيء إلا قطعه ودمره وقضى عليه، إن الاعتدال والتوازن والعقلانية هو سلاح البشرية التي تبتغي النمو والاعتلاء والرقي، وهو سبيلها نحو التطور والتجدد والوصول إلى التطلعات الكبرى للوطن والأمة، إن التطرف والغلو فكر عصبي وجاهل يشيع المتناقضات بين الناس، وهو رديف للعنف المدمر، إن الاعتدال ملك الأقوال والأفعال، سلوكًا وفكرًا ومعتقدًا، إن الحياة تكون بهية ومشرقة بالاعتدال والتوازن، وتكون مكفهرة ومعتمة بالغلو والإفراط والتطرف، قال تعالى: {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لاَ تَغْلُواْ فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ وَلاَ تَتَّبِعُواْ أَهْوَاء قَوْمٍ قَدْ ضَلُّواْ مِن قَبْلُ وَأَضَلُّواْ كَثِيرًا وَضَلُّواْ عَن سَوَاء اسَّبِيلِ}، إننا نحتاج إلى الاعتدال والتوازن لأنه سمة غالبة في حياة الإنسان وتصرفاته وفكره وآرائه، بعيدًا عن الغلو والتطرف الذي يهلك الحرث والنسل ويبيد الحياة.