د.الجوهرة بنت محمد العمراني
تبذل الدول الجهود المتعددة لمكافحة الانتشار الدولي للأمراض المعدية والتي تعدّ مسؤولية محورية وتكاملية في سبيل الحد من انتشار الأمراض والأوبئة؛ فسنّت اللوائح والأنظمة والقوانين لتكون قواعد ثابتة للتعامل مع الأزمات الصحية ولتحقيق الأمن الصحي العالمي، كما تكثف الدول جهودها الاقتصادية والتقنية للتوعية المحلية والعالمية لنشر ثقافة التعامل مع القواعد واللوائح بإيجابية.
وتتنوع الأنظمة الصحية المحلية لكل دولة والتي تنتشر انتشاراً يتجاوز حدودها.
ومع ذلك لاتزال الفروقات الفردية تتعمد تغافل تطبيق الأنظمة الصحية تجاه الأوبئة، فتعرّض ذاتها وأسرها بل ومجتمعها للأذى في ظل غياب وعيها الصحي بما تسببه بعض السلوكات الخاطئة في التعامل مع الأمراض والأوبئة؛ مما يترتب عليه استمرار الانتشار والذي يترتب عليه نزف مادي ومعنوي، ويتطلب مزيداً من الجهد البشري ومضاعفة المخصص الاقتصادي لمقاومة امتداد آثار الأمراض والأوبئة والحد منها.
ويتأكد هنا تكامل مسؤولية الفرد والمجتمع تجاه تطبيق الأنظمة الصحية لتحقيق الوقاية والأمن الصحي ويستدعي تنفيذ الأنظمة واللوائح الصحية المحلية والعالمية تعاون الجميع لتحقيق الوقاية العامة بدءاً من التوعية الصحية للفرد، ولأسرته ولمجتمعه، وانتهاءً بتعاون كافة أفراد المجتمع وترابطهم في تنفيذ قواعد الأمن والسلامة الصحية، وتقديم المبادرات الاجتماعية لوقاية المجتمع من عوارض الأوبئة وتفشيها، ويتعيّن ذلك تضمين المقررات والمناهج التعليمة في التعليم العام فما فوق مقومات البناء الصحي وقيم النظافة والطهارة، وقيم المحبة والتعاون والتكاتف بين أفراد المجتمع.
ومما لاشك فيه أن غرس القيم الإسلامية في النشء من خلال المقررات والمناهج التعليمية ومتابعة تطبيقها والتدريب عليها من مقومات البناء الصحيح للفرد والمجتمع والتي تساهم في تكوين الشخصية الإيجابية.
ولتحقيق تفاعل أفراد المجتمع وتعاونهم لتحقيق الأمن الصحي؛ يجدر العمل التكاملي بين مؤسسات المجتمع لبناء قيم التطوع والتعاون وصنع مبادرات تطوعية تساهم في تحقيق الجهود المبذولة للوقاية المجتمعية من تبعات الأوبئة وسيساهم ظهور مبادرات التطوع الوقائي الصحي على المستوى الفردي والمؤسسي في التوعية الصحية وستقي المجتمع بعون الله تعالى من العديد من الأخطاء الفردية.
ومن المهم تبني المؤسسات الصحية والتعليمية مبادرات رائدة لنشر وعي المجتمع وتثقيفه وبناء مسؤوليته المجتمعية تعليماً وتدريبا ًكما يتعيّن تحفيز الأفراد على ابتكار وتقديم مبادرات صحية نوعية خدمة للوطن الغالي وحماية أفراده ووقايتهم من انتشار الأمراض وامتدادها.
وتلكم مسؤولية تكاملية تساهم في تحقيق حماية النفس البشرية، والتي تعد من الضرورات الخمس في الشريعة الإسلامية.
وتتأكد مسؤولية الفرد تجاه نفسه ومجتمعه من خلال التقيد بالتعليمات والقوانين الصحية لوقاية ذاته وأفراد أسرته والحد من انتشار الفايروس في المجتمع، وتعد المسؤولية الفردية نموذجاً حضارياً وأسلوب حياة فائق المستوى يظهر من خلاله ثقافة ووعي أبناء المجتمع ودورهم الفاعل في تحقيق المسؤولية الاجتماعية نحو وطن سليم متكامل الأركان.
وعليه فإن الجهود الدولية والمحلية التي تسعى الدول أجمع اليوم لتحقيقها في سبيل بناء الأمن الصحي ومكافحة انتشار الفايروس وغيره من الأوبئة؛ تحتاج لتعاون الأفراد والمؤسسات وكافة قطاعات المجتمع لتؤتي ثمارها الإيجابية.
وما نراه اليوم من الوعي المجتمعي بالقواعد الصحية ما هو الا انعكاس حقيقي لثقافة أبناء الوطن بأهمية التعامل مع معطيات الواقع وما يتطلبه من التدابير الوقائية الصحية.
والمتأمل في آليات التعامل الوقائي الصحي في بلادنا المباركة، وما سنته من قوانين ضابطة للحد من انتشار الفايروس من خلال مراحل الحجر وقوانين العمل في المؤسسات بمختلف القطاعات ووضع ضوابط لأعداد التجمعات ووضع المخصصات المالية لتوفير أماكن القادمين من خارج البلاد وضيافتهم بمعزل عن أسرهم عدة أيام وقائية للتأكد من سلامتهم، ووضع ضوابط التنقل بين المدن للحد من الانتشار مما ساهم في التغلب على تبعات هذا الفايروس ووقاية المجتمع منه، وما تؤكده الإحصاءات اليومية مقارنة بما يحدث في العالم؛ يجد تواتر الجهود المؤسسية وتكامل الدور الفردي من أبناء الوطن وتفاعل أفراد المجتمع تنظيراً وتطبيقاً.
ومع ما تقدمه بلادنا المعطاءة من جهود واضحة وظاهرة لتحقيق الأمن الصحي؛ فإن المنتظَر من جميع الأفراد كل في مجاله استمرار الحذر بعد انتهاء الحجر، واعتياد الأساليب الوقائية التي تمت ممارستها في الأيام الماضية واعتبار الوقاية مصدراً فاعلاً للشراكة المجتمعية وداعما للجهود المؤسسية.
حفظ الله وطننا الغالي قيادة وشعباً من كل سوء. وبالله التوفيق.