عطية محمد عطية عقيلان
الجمل من أكثر الحيوانات التي ضرب فيها المثل نستحضرها في مختلف المواقف سواء كانت إيجابية أو سلبية، لا تخلو أحياناً من التناقض لكنها مليئة بالدروس والعبر ومفيدة عند تطبيقها في حياتنا، ومن أشهر هذه الأمثال مقولة «لا ناقة لي فيها ولا جمل» والتي قيلت في أطول حروب الجاهلية «حرب البسوس» والتي دامت أربعين عاماً كانت بسبب ناقة البسوس التي نزلت في حمى جساس بن مروة وكان من سادة قومه ودخلت ناقتها في مراعي إبل كليب بن وائل فرماها بسهم فقتلها مما أثار غضب جساس بما صنع كليب وتربص به فقتله فقامت الحرب بين قبيلتي بكر وتغلب وهم أبناء عمومة وقتل فيها مئات الشباب والفرسان، وكان من قوم جساس رجل شجاع عاقل وحكيم هو «الحارث بن عباد» رفض مساعدة قومه في الحرب حيث لم يعجبه أن يُقتل كليب وهو سيد قومه بسبب ناقة وقال العبارة المشهورة «لن أشارك في حرب لا ناقة لي فيها ولا جمل» وذهب مثلاً بين العرب يحث على عدم التدخل فيما لا يعنيك أو ترجوا منه نفعاً. ورغم مرور أكثر من ألف وخمسمائة عام على حرب بسبب ناقة كان يمكن تلافيها بقليل من العقل والحكمة، إلا أن الحكاية تتكرر دوماً في حياتنا وبقصص من حولنا تبدأ بخلافات سطحية وبسيطة أقل من ناقة البسوس ولكنها تنتهي بقطيعة وخلاف يمتد طيلة حياتنا.
نشهدها في الخلافات على تشجيع الأندية واللاعبين والتحكيم ونتعصب لرأينا ونحن لا ناقة لنا فيها ولا جمل، لكنها تكون باباً للمناكفة والمشاحنة والخلافات وتنتهي بقطيعة وتباغض تزيد مع السنين.
وذاك مدافعاً شرساً عن مشاهير أو إعلاميين أو ممثلين أو مطربين ويبرر مواقفهم رغم خطأ بعضهم واعتذاره إلا أنه يصر على مخالفة كل من ينتقدهم ويعاديهم وهو غالباً لا تربطه بهم أي علاقة مباشرة.
وهناك من يحمل دوماً لواء الاعتراض والاختلاف ويتربص بكل حديث أو رأي ويطرح عكسه وكأنه يبحث عن ناقة البسوس ليقتلها ليذكي الخلاف والمشاحنة والقطيعة مع كل من حوله.
وذاك منتقد لكل عمل خير يقدمه تاجر أو رجل أعمال أو قريب له يعاديهم ويقلل من صنيعهم ويخالف كل مادح لهم أو ذاكر لمعروفهم.
وتشتعل حرب البسوس بين العاملين في نشاط واحد سواء طبي أو إعلامي أو إداري، وكل يبالغ في تقدير ذاته وإنجازاته ويضخم من أخطاء الآخرين ويعادي كل من يقول كلمة حق ومدح في مخالفيه.
لتكن عبارة الحارث بن عباد «لا ناقة لي فيها ولا جمل» منهج حياة نتبعه عند النقاش والاختلاف لعدم الوصول إلى الخصومة والقطيعة بلا فائدة مع عدم التهادن لكل من يتعرض لدينك ووطنك وعاداتك وقيمك بعيداً عن التنظير والمثالية والدخول في نقاشات وجدالات خاسرة تسبب مزيداً من العداء والقطيعة، ولا نصبح «كجمل المحامل» نحمل هموم وخلافات وعداوات فوق طاقتنا حتى تخور قوانا وصحتنا وننهار من التعب. ولنتأكد أن لكل منا عيوبه الخاصة لا تقل أحياناً عن مساوئ وسلبيات الآخرين وكما يقال لو رأى الجمل سنامه لقطعه كناية على عدم رضاه وقناعته به وتضرب فيمن يكثر من نقد الآخرين وذكر عيوبهم متغافلاً عن مئات النواقص التي يحملها. ولنتذكر عند النقد بالمثل الشهير «ما هكذا تورد الإبل يا سعد».
فلنحرص أن نقول رأينا باختيار ألطف الألفاظ وفي الوقت المناسب وتكون لينة هينة سمحة عذبة بعيداً عن التجريح والتشهير، فحياتنا لن تسمح بتجارب ونزاعات كحرب البسوس، ولنعلم أن لكل الناس في جملهم خير أي لا يخلو الإنسان من المزايا، فقط المطلوب استخدام عين الرضى والمحبة في الحكم عليهم، ولنتعلم من الجمل بعيداً عن وصفه بالحقد على كل من ظلمه أو ضربه بل نأخذ منه صبره وتحمله وتكيفه على حياته الصعبة ونمارس عطفه ومحبته لكل من يحنو عليه ويساعده ولا ينسى من يعتني به مهما مرت عليه سنين الفراق.