د. محمد عبدالله الخازم
كتبت في المقال السابق عن نظام الجامعات الجديد وملاحظاتي بأنه لن يمنح الجامعات الاستقلالية التي كنا نطمح إليها. وقبل إكمال المقال، أكرر مطالبتي بالتمعن في الأفكار والحوار حولها، وكل رأي قابل للنقاش والأخذ والرد. استقلالية الجامعات هي الأصل في تعليمنا العالي كما بدأ في الخمسينات حتى أواخر السبعينات، قبل ركوب موجة توحيد اللوائح وإلغاء مجالس الأمناء للجامعات وبناء نظام مركزي مُسيطر عبر وزارة التعليم العالي. كانت لدينا ست جامعات كل منها مستقلة بمجلس أمنائها ونظامها الديموقراطي وهويتها الخاصة بها، واليوم لدينا أكثر من ثلاثين جامعة متشابهة حتى في تصريحاتها الإعلامية وتغريدات تويتر (انظر كتابي «اختراق البرج العاجي» و»جامعة 2030»). ومن نافلة القول التأكيد على إدراكنا بأنه لا يوجد استقلالية مطلقة في أي نظام، وجامعاتنا ملزمة بالثوابت والسياسات المستمدة من مقاصد الشريعة وتحقيق الغايات والقيم الوطنية المتعلّقة بالوحدة الوطنية والوسطية ... إلخ. هذا أمر مفروغ منه وما ندندن حوله يتعلّق بالسياسات التشغيلية والإدارية والتنفيذية ...
النظام لم يُقرر تطبيقه على الجميع بهدف اختبار كفاءته من خلال التطبيق على ثلاث جامعات، لذلك أعتبره تجريبياً أو نسخة أولية قابلة للتطوير. وحتى حينه، أشير إلى فقرة تقرر بأنه يحق لمجلس شؤون الجامعات إيكال بعض صلاحياته إلى المجالس الأدنى، وأطالب مجلس شؤون الجامعات بالاستفادة من تلك الفقرة باستدراك ما يمكنه لإعادة الاستقلالية والصلاحيات للجامعات ومنح أكبر عدد من صلاحياته للمجالس الأدنى!
هناك نقطة أخرى تتعلّق بمجلس شؤون الجامعات، ربما حدثت بسبب عدد أعضائه أو طريقة تشكيله! المجلس يفترض فيه تمثيل الجامعات السعودية، ويضم مدراء أربع جامعات حكومية. ما حدث أنه تم اختيارهم من جامعات كبرى وقديمة أو مستقرة، ربما لأن بعضها ستبدأ تطبيق النظام الجديد. شخصياً، لم أكن أرشح سوى واحدة منها لأن اختبار تفاصيل وصلابة ومرونة النظام الجديد تتطلب تطبيقه في جامعات متنوّعة البيئات والإمكانات، لا أن نجربه في بيئة الأغنياء ثم نفرضه على الفقراء وظروف كل منهم مختلفة عن الآخر. الإشكالية هنا أن المجلس لم يعد يمثّل الجامعات السعودية بتنوعها وأطيافها، ويغيب عنه ممثلو الجامعات الطرفية والناشئة والتخصصية. حتى الجامعة الخاصة المختار ممثّلها تعتبر نخبوية غير ربحية ولا تمثّل الجامعات الربحية. الخشية هنا أن قراراته قد لا تستوعب مطالبات وصعوبات الجامعات الطرفية والناشئة والتخصصية، إلا إذا كنا نسير على مبدأ الكبار عمراً أعرف بمصالح الصغار!
زاد من تضييق مساحة التنوع الفكري في المجلس اختيار غالبية أعضائه من المنتمين لمدرسة جامعة الملك سعود الإدارية، بحكم عملهم أو انتمائهم السابق لها. طبعاً لجامعة الملك سعود ولمنسوبيها السابقين والحاليين كل التقدير، فالأمر هنا لا يتعلّق بالأشخاص وكفاءتهم وإنما بالجانب الفكري والتنظيمي للمجلس. أقترح على مجلس شؤون الجامعات زيادة ثلاثة أو أربعة لعضويته يمثّلون الجامعات الناشئة والطرفية، الجامعات التخصصية والجامعات الربحية، فذلك سيشكِّل مساحة للتنوّع والتمثيل للجامعات. ولن أذهب بعيداً في الحلم فأتمنى لو كان لدينا اتحاد الجامعات السعودية يساعد في ترشيح ممثليه لعضوية المجلس!