د. عبدالحفيظ عبدالرحيم محبوب
كتبت في صحيفة الجزيرة في 1 أبريل 2017 أنتقد فيه ورشة العمل الثامنة لمديري الجامعات السعودية التي عقدت في 2017/3/21 تحت عنوان (نحو تحقيق رؤية المملكة 2030 الكفاءة والاستدامة والمسؤولية في التعليم الجامعي) من أن الورشة عقدت ولكنها لم تكن تمتلك مبادرات على غرار المبادرات التي قدمتها جميع القطاعات الحكومية، وطالبت في المقال ضرورة استقلال الجامعات لتحقيق رؤية المملكة 2030.
أعتقد أنه بعد تلك السنوات أعلنت وزارة التعليم للمرة الأولى تطبيق ثلاث جامعات سعودية المرحلة الأولى من نظام الجامعات الجديد، الذي يمكنها من الاستقلالية في بناء لوائحها الأكاديمية والمالية والإدارية خلال الفترة المقبلة، وهناك تطلعات إلى انضمام جامعات أخرى إلى النظام بما يحقق أهداف رؤية المملكة 2030.
هذه الجامعات هي الملك سعود، والملك عبد العزيز، والإمام عبد الرحمن بن فيصل لتكون ضمن الجامعات التي يطبق عليها نظام الجامعات الجديد، حيث تعتبر هذه الجامعات جاهزة بعدما انطبق عليها 23 معيارا و74 مؤشرا حدد مدى جاهزيتها.
وأكدت وزارة التعليم أنه لن يؤثر على مجانية التعليم في جميع برامج البكالوريوس، ولم يتم التطرق إلى أي تعديل أو حجب في مكافآت الطلبة مع تأكيد استمرار أعضاء هيئة التدريس والموظفين في الجامعات ممن هم على رأس العمل على أوضاعهم الحالية.
وحسب تصنيف شنغهاي عام 2019 حققت جامعة الملك عبد العزيز المركز 101 – 150 وجامعة الملك سعود 151 – 200 والملك عبد الله للعلوم والتقنية 201 – 300 وفي المركز الرابع أتت جامعة الملك فهد للبترول، وحققت جامعة الملك عبد العزيز المركز الأول عربيا وال186 عالميا حسب تصنيف QS البريطاني في يونيو 2019.
تقطف السعودية ثمار برنامج خادم الحرمين الشريفين للابتعاث الذي بدأ عام 2005 على ثلاث مراحل كل مرحلة 5 سنوات وصل عدد المبتعثين أكثر 200 ألف مبتعث عاد أكثرهم، وفي عام 2017 كان عدد براءات الاختراع التي تقدم بها سعوديون وسعوديات نحو 664 براءة اختراع مقابل 137 لبقية الدول العربية الأخرى، وتقدمت السعودية في عام 2018 أربعة مراكز عن عام 2017، فأصبحت في المركز ال25 وقدم المخترعون في المملكة نحو 3399 طلبا لتسجيل اختراعا، بينما أودع المبتكرون على مستوى العالم 3.3 ملايين طلب الصين بمفردها 1.5 مليون طلب.
تتحول الدولة من مرحلة الاعتماد على الدخل الآحادي الذي لا يتناسب مع توسع الدولة إلى الدخل المتنوع وفق رؤية 2030 التي قادها ولي العهد الأمير محمد بن سلمان عام 2016، فأرامكو تعيد تنظيم قطاعاتها لتعزيز استراتيجة النمو عالميا، واتجهت نحو التكامل بعد استحواذها على 70 في المائة من أسهم سابك، ما يعني أنها تدخل شريكا في الصناعات البتروكيماوية والتخصصية بشكل خاص، ونحو مزيج الطاقة بالتركيز على مصادر الطاقة المستدامة، فهي بحاجة إلى أن تتوافق مخرجات الجامعات مع حاجات السوق.
لذلك أسست الدولة مدينة الملك سلمان للطاقة، وبدأت في استثمار قطاع التعدين الذي يعد أحد القطاعات المهمة جدا يرفد القطاع الصناعي، وهناك مدن سياحية منتشرة في جميع أنحاء المملكة لجذب ليس فقط السياحة المحلية بل حتى السياحة العالمية.
فلم تعد التخصصات النظرية التي تعتمد عليها الجامعات السعودية تتناسب مع احتياجات سوق العمل، بل تزيد من ارتفاع نسب البطالة، بسبب أن تلك القطاعات بحاجة إلى مخرجات تطبيقية تتناسب مع حاجات سوق العمل، بجانب تقليص نسب القبول ليس فقط في التخصصات النظرية، بل أيضا إعادة النظر في التخصصات التطبيقية وفق حاجة سوق العمل.
فنجد في كوريا الجنوبية نسبة القبول لا تتجاوز 54 في المائة من خريجي الثانوية، وبقية خريجي الثانوية يتجهون للدراسة في المعاهد الصناعية والكليات المهنية وكليات خدمة المجتمع وغيرها، بما يتناسب مع حاجة سوق العمل في قطاعات السياحة والصيانة وفي بقية القطاعات الخدمية الأخرى، بجانب أن مخرجات الجامعات يجب أن تكون ذات قيمة علمية عالية، ولن تكون مخرجات الابتكار ناجحة إلا بمدى قناعة السوق التي تستهدفها بفوائدها، لذلك سيكون القطاع الخاص شريكا للجامعات، وأيضا ستكون الجامعات لديها القدرة على المساهمة في الاستثمار، وفي إنشاء شركات استثمارية، وإنشاء مراكز بحوث بمشاركة القطاع الخاص والعام لدعم الابتكار والتطوير للاعتماد الذاتي في الإنفاق المستدام على برامجها.
أصبح التعليم العالي في عصر الذكاء الاصطناعي خصوصا بعدما أصبحت البرامج التعليمية الرقمية مجانية في السنوات الأخيرة معلما من معالم التعليم في عصرنا الحديث، وتعتبر تلك البرامج كنزا ثمينا يمكن الاستفادة منها إلى أبعد حد ممكن، ومن أكثر البرامج الرقمية من حيث مفردات البرامج والمنصات التفاعلية والجهات الأكاديمية التي تدير هذه البرامج EDX معهد ماساتشوستش التقني (MIT) وجامعة هارفارد، والبرنامج الثاني الذي تديره جامعة ستانفورد إلى جانب جامعات عالمية مشهود لها بالرصانة العلمي.
حيث تتمحور فلسفة التعليم الإلكتروني على جملة من الخصائص الجوهرية يبدو أهمها كونه تعليما قائما على المهارات التي يمتلكها المرء وهي مميزة للنجاحات الراهنة لأنها تعود في جوهرها إلى طبيعة التشبيك المعرفي والتداخل المفاهيمي بين المساعي العلمية الحديثة، التي تفتت المرجعيات المتغولة التي تعيق أي تطور، وتراجع النخبويات الموروثة أو غير القائمة على المهارات والإمكانيات العقلية ممن يتحصنون في قلاعهم الجامعية ويتخذونها ملاذا مجانيا لبناء أمجاد موهومة لهم، فاستقلالية الجامعات تشهد انعطافة ثورية ستركز على المهارات والقدرات التي تخدم رؤية المملكة 2030 من أجل تحقيق اقتصاد إنتاجي متنوع.