عبدالوهاب الفايز
الأسبوع الماضي لم نستكمل تعداد المميزات الإيجابية التي نتطلع إليها من قيام وزارة جديدة متخصصة في (التنمية الإدارية) بديلة لوزارة الاقتصاد والتخطيط، لتكون ذراعًا تنفيذيًا لـ(اللجنة العليا للإصلاح الإداري)، بعد إعادتها وتوسيع صلاحياتها.
حجم العمل المطلوب من القطاع العام لإنجاز برامج الرؤية، تحتاج جهاز حكومي يتمتع بالقدرة على تحقيق الفعالية والكفاءة في استثمار الموارد المالية والبشرية.
من مهام وزارة التنمية الإدارية وضع الخطط والبرامج التي تضمن تنمية المهارات الإدارية للعاملين في القطاع العام ليتمكنوا من استثمار الآليات التقنية الرقمية ومعطيات الذكاء الصناعي وما تتيحه التطبيقات الرقمية لتطوير الممارسات الإدارية. هذا أحد متطلبات التنمية الإدارية، ويحتاج الجهاز المتخصص الذي يتأكد من استمرار تطبيق هذه التقنيات بما ينعكس على فعالية وكفاءة الإدارة.
أيضاً نتطلع أن تفعل وزارة التنمية الإدارية (معهد الإدارة العامة) الذي ظل لسنوات طويلة مصدراً مهماً للتنمية الإدارية عبر برامج التدرب والتأهيل والنشر وتنظيم المؤتمرات واللقاءات العلمية والمهنية، وتقديم الاستشارات الإدارية التي استفاد منها القطاع العام. ربما الأفضل للمعهد تحويله إلى (معهد ملكي للتنمية الإدارية)، ليكون جهازًا مستقلاً، حتى يواصل دوره الحيوي ويتوسع في برامج التأهيل المتخصصة للقيادات وللدراسات، ويكون أحد الأذرع التي ترفد وزارة التنمية الإدارية.
المرحلة التنموية الحالية لبلادنا تستلزم من معهد الإدارة تقليص الكم الكبير لبرامج التدريب، والتركيز على أداء الاستشارات والدراسات والبحوث المتصلة بالتنمية الإدارية. نحتاج توسيع وتمكين المعهد لإعادة الهيكلة التنظيمية لأجهزة ومؤسسات الدولة، تحت إشراف اللجنة العليا للإصلاح الإداري، التي يؤمل أن تتولى سكرتاريتها وزارة التنمية الإدارية، وبرئاسة سمو ولي العهد رئيس مجلس الاقتصادية والتنمية، فالتنمية الإدارية رافد أساسي ولا يمكن ضمان استقامة التنمية بدونها.
أيضاً، ولأجل ترشيد ورفع كفاءة الإنفاق الحكومي، يمكن لوزارة التنمية الإدارية استيعاب مؤسسات عديدة مثل: مركز دعم اتخاذ القرار، ومركز الوثائق الوطنية، المركز الوطني لقياس أداء الأجهزة الحكومية.. وغيرها من الهيئات والمراكز المشابهة التي أنشئت مؤخرًا، والتي تستهدف كفاءة القطاع العام لتكون تحت هذه الوزارة.
من المهام التي ننتظرها من الوزارة التركيز على تبني (برامج إعداد قيادات الصف الثاني والثالث) لمنسوبي الوزارات والمؤسسات الحكومية، فالتنمية الإدارية تحتاج لبناء كوادر الحكومة (من داخل الجهات الحكومية) حتى تنمو معهم ثقافة وأدبيات صنع السياسات العامة. هذا ضروري لتنمية (رجال الدولة) المتميزين الذين يكملون دور الوجهاء والنبلاء وأهل الحل والعقد.. حيث يشكل كل هؤلاء الرافد والمساند لولي الأمر.
وأيضاً من مهمات الوزارة وضع آلية لفرز هذه الكوادر على أسس الكفاءة والإخلاص والنزاهة، مع تطوير آلية الترقيات، ووضع برامج لفرز المتميزين من العاملين في القطاع العام دورياً ليتسنى معرفتهم في وقت مبكر.
كذلك ربما يكون ضمن مهام الوزارة أمانة لجنة عليا تتولى تقديم الرأي والمشورة للقيادة بتقييم المرشحين للوظائف القيادية، كرؤساء أجهزة أو وكلاء وزارات قبل تعيينهم وتحديد الأكثر جدارة لتولي المنصب.
الذي يطلع على الأدبيات البحثية العلمية للتجربة الإدارية في بلانا في العقود الماضية، بالذات كتاب تاريخ الإدارة العامة في المملكة، الذي شارك في إعداده وتحريره مع عدد من زملائه الدكتور محمد الطويل مدير معهد الإدارة العامة السابق، وأيضاً يستمع إلى (تجارب رجال الدولة) الذين شاركوا في بناء الحقبة الأخيرة لبلادنا، يقف على ملامح مشرِّفة وإيجابية للتجربة السعودية في الإصلاح والتنظيم الإداري الحكومي.
هذه التجربة تتميز بالانفتاح على جميع الأفكار والتصورات والتجارب، وتنطلق من رغبة صادقة للتطوير الذي يستجيب لمصالح الناس وتحديات الظروف المحلية والإقليمية والعالمية، وتتميز أيضاً بالجرأة في اتخاذ القرارات.
ذهنية ومبادئ الحكم هذه المنفتحة لاستيعاب متطلبات التطوير والتحديث لمؤسسات الدولة وآليات عملها، تحفزنا لطرح الأفكار والتصورات التي تحتاجها المرحلة، ويشجعنا على ذلك دور مجلس الشورى المبادر إلى تلمس القضايا الحيوية الأساسية لتطوير ورفع كفاءة القطاع العام.