علي الخزيم
مشهد يوم عرفة مشهد عظيم على أرض المشاعر المقدسة يباهي به الله سبحانه عند أهل السماء كما ورد عن النبي المصطفى، فلن يباهي العظيم الجبار إلا بما يليق بعزَّته وجلاله سبحانه، كما اختار نبي الهُدى هذا اليوم الفضيل - وبتوجيه رباني - موعداً لخطبته الشهيرة التي رسم بها الحدود الإسلامية وبيَّن الحلال من الحرام وأبلغ الناس أمور دينهم، ومع إشراقة صباح يوم العيد يوم النحر يوم عيد الأضحى فإنك أمام معانٍ سامية جليلة ويكفي أن تتمعَّن وتتأمل الكلمات: إشراق وصباح وعيد، فبمجملها استدعاء للبهجة والفرح والحبور، حتى كلمة النحر هنا تعني نحر الهدي والأضاحي تقرّباً إلى الله سبحانه وطلباً لرضاه وغفرانه، ولذا كان الندب للأكل من الهدي والأضاحي ليعم الفرح المسلمين ويستمتعوا بنعم الله عليهم ويستشعروا مَنِّه وكرمه، وقُبَيل العيد كان لا بد لكل مسلم تبعاً للمعاني والمقاصد السامية للأعياد أن يبادر لفتح القلب بمشاعره الخيِّرة الطيِّبة تجاه أخيه المسلم قريباً أو بعيداً، فالعيد لم يكن إلا فرحاً نستعيد به الحُب والوئام لمن كان له قلب ومشاعر إنسان، أما أولئك الاستثناء فلا نلمك إلا الدعاء لهم بالهداية والعودة لجادة الحق والصواب.
روحانية عشر ذي الحجَّة وعظمة يوم عَرفة وبهجة أيام العيد هي موسم سنوي وفرصة لنؤكد لأنفسنا أن مضامينها يجب أن تلازمنا ونعيشها كمنهج لا يُفارقنا، وتأكيد على الالتزام بالمبادئ والمُثُل العُليا المستمدة من ديننا الإسلامي الحنيف، والقيم الاجتماعية الضرورية لارتقاء مجتمعاتنا الإسلامية باستمرار للأفضل، وحين نغدو لعيدنا وأفراحنا ومناسباتنا السعيدة عامة أرى أنه لزاماً علينا استذكار أبطالنا البواسل على حدود الوطن؛ فهم والله أحق بالدعاء لهم بالنصر والعودة لذويهم سالمين، والترحُّم على من مضى منهم، وكذا أبطال الخدمات الصحية الذين كابدوا الفيروس الخفي ونال منهم فلهم الشكر ولهم الدعاء الحسن نسأل الله لهم الأجر العظيم، ولن ننسى كل مُخلص أمين لوطنه وإخوته المواطنين بكل مكان ومجال، ثم إن بيننا من أحاطت بهم الفاقة والحاجة، ومن الأيتام والأرامل والمعوقين ممن عجز ذووهم عن توفير احتياجاتهم؛ فتفقدوا أحوالهم وأوضاعهم، وأجزم أنه لن يطيب لكم عيد بعد ما تعرفوه عنهم ولن تَلذّ لكم لقمة من أضحيتكم وأطعمتكم وحلوياتكم دون أن تشاركوهم بما تيسَّر، وإياكم أن تقدّموا لهم غير الطيِّب فهم أنفس وأحاسيس تشعر بالمهانة أن دفعنا لهم فضول طعامنا وحواشي أضحيتنا مما لا نرغبه ونَمُنّ بها عليهم، فبدونها أكرم لهم.
قبل العيد كنتَ تسمع من يتذمر من قلة ذات اليد مُدَّعياً أن دخله لا يقاوم غلاء الأسعار وارتفاع الفواتير؛ ثم تجده بسوق الأغنام يُفاخر باختيار أغلى أضحية بداعٍ معلن هو جزالة الأجر من الله، ومُبَطَّن جعله يشمخ بأنفه، مؤكداً أنه ليس بأقل من فلان وعلان، وكان الأجدر أن يكون وسطاً مراعياً قدراته المادية التي كانت هاجسه قُبَيل العيد، ولو تعمَّقت بالفكرة فلن تجد مبرراً للتباهي والمبالغة بغير مكانها، فلن تزيد صاحبها إلا تشكِّياً وتذمراً من أوضاع صنعها بيَده!