د.م.علي بن محمد القحطاني
يتفاوت في كل دول العالم مستوى الإمكانات من منطقة لأخرى، ولكن نصيب الفرد ثابت، وهذا التفاوت نتيجة المعايير المتعددة التي تطبقها كل وزارة خدمية لتقديم الخدمة، ومن أهمها التعداد السكاني، ولهذا تنتج الأزمات إذا كسرت هذه المعادلة، مثل زيادة عدد السكان الفجائي والسريع، والأدهى إذا كانت الزيادة مؤقتة، لأنه سيؤثر على البنى التحتية، وطالما نحن في عصر كورونا فلنتحدث عن الخدمات الصحية، فسكان المدن الكبرى مثل الرياض وجدة والدمام، وبعد هذه الفترة من الحظر الكامل والجزئي وعدم إمكانية السفر خارج البلاد، والدعاية والتوعية والتعريف بمصايف المملكة وجمالها، ونشطت الهيئة العامة للترفيه كما لم تنشط من قبل، فهل هناك تنسيق مع فريق عمل إدارة جائحة كورونا أم أنها تغرد خارج السرب وتتعامل مع هذا الأمر من منظور واحد ألا وهو تنشيط السياحة المحلية، وهو مطلب وطني بلا شك، لكنه ليس في سلم الأولويات في الفترة الحالية، خصوصاً مع تناسي أغلب أفراد المجتمع وتغافلهم للاحتياطات الصحية والتباعد الاجتماعي.
لو تأملنا إحصاءات وزارة الصحة لعدد الحالات المسجلة يومياً في بداية قرار عودة الحياة لطبيعتها، نجد أن جدول الحالات شهد تغييراً جذرياً فارتفعت الأعداد في مدن ومحافظات قد تكون التجهيزات الطبية محدودة نسبياً لا تستوعب الأعداد الكبيرة من الزوار مثل مناطق الاصطياف، وأجزم أمام هذه الأعداد بأن البنى التحتية للخدمات الصحية ستجد صعوبة كبيرة في تلك المصايف، وتوفيرها لهؤلاء الزوار والمصطافين في ظل زيادة أعداد الحالات الجديدة بشكل مهول، مما يعد إنذاراً ومؤشراً بصعوبة ما سيحدث -لا قدر الله- مع الأخذ في الاعتبار أهمية توفر أسرة احتياطية، فتلك المناطق القريبة من الحد الجنوبي للمملكة، ولا ننسى القرى والمدن والمحافظات الصغيرة من عودة أبنائهم خلال إجازة عيد الأضحى المبارك للاطمئنان على أسرهم بعد هذه الفترة العصيبة، وكنت أتمنى على فريق إدارة الجائحة أن يستثنى التنقل بين المدن والمحافظات من قرار عودة الحياة إلى طبيعية لتلافي الضغط المتوقع على البنية الاساسية للخدمات الصحية في تلك المناطق، وحيث إن قرار عودة الحياة إلى طبيعتها نصّ على أن هذا القرار مثل بقية الإجراءات والقرارات السابقة {وستتم مراجعة ذلك بشكل دوري في ضوء المعطيات الصحية} أي أنها قد تتغير أو تتعدل في أي لحظة بناء على المعطيات على الطبيعة.
وبتطبيق إحدى أهم قواعد إدارة الكوارث، الاستعداد لما قد لا يحدث، وهو ما قد حدث بالفعل في عدد من دول العالم، فقد تعود بعض المدن للإجراءات التي كانت متبعة في الفترة من 8 شوال 1441هـ حتى نهاية 28 شوال 1441هـ أو حتى الفترات التي قبلها، وفي هذا مرونة كبيرة لدى فريق إدارة الجائحة، وقد تستثنى بعض المناطق أو المدن من تخفيف الإجراءات حسب الأوضاع على الطبيعة، وأتوقع أن استمرت هذه الأرقام في الارتفاع أن يتم تعليق ارتياد الشواطئ والحدائق العامة التي يصعب فرض إجراءات التباعد الاجتماعي فيها لفترة إضافية مع السماح بعودة المقيمين بصفة دائمة للمناطق والمدن القادمين منها فقط.
كل هذا بيدي ويدك، ففي أخذنا بالأسباب واتباعنا الإرشادات التي حددته وزارة الصحة في نقاط يسيرة، ولن تثقل كاهلنا مثل التمشي بقواعد التباعد الاجتماعي، ولبس الكمامات والقفازات، والابتعاد عن الأماكن المزدحمة والمغلقة، وعدم المصافحة والمواظبة على غسل اليدين بالصابون. والالتزام بالإجراءات الوقائية.
وأود التأكيد على أهمية تكييف أنفسنا وتعليم أطفالنا على الحرص على الالتزام بهذه الإجراءات الوقائية فقد نضطر للتعايش معها فترة طويلة.
وقد تلجأ الإنسانية للتعايش مع هذا الوباء كمرض، فكما تعود الإنسان التعايش مع مرض السكري -حمانا الله وإياكم-، فطالما المريض يحترمه بحسن التعامل معه، وإعادة ترتيب عاداته الغذائية وبرنامجه اليومي ليتخلله المشي فإن المرض في الغالب تحت السيطرة، مع مراعاة أن كورونا أثره وخطورته تتعدى الشخص المريض لأغلب المخالطين له.
فلنحرص على ألا يخرجنا قرار عودة الحياة لطبيعتها صفر اليدين، فالمناعة المجتمعية من الخطوات المهمة، والتي لن تتحقق إلا مني ومنك ومن المجتمع ومدى وعينا وإدراكنا لحجم الخطر، وتحمل مسؤولياتنا الدينية والأخلاقية والمجتمعية التى تحتم علينا الأخذ بالأسباب.