فضل بن سعد البوعينين
وصف الرسول -صلى الله عليه وسلم- الحج بالجهاد الذي لا قتال فيه، وهو كذلك، بالنسبة للحجاج وللمملكة أيضاً؛ التي تجاهد على ثلاث جبهات رئيسة؛ وهي: أمن الحجيج، وتيسير حجهم وتوفير الخدمات لهم، وضمان سلامتهم الصحية وخلو موسم الحج من الأوبئة السارية.
ويأتي موسم حج هذا العام بظروف استثنائية فرضتها جائحة كورونا، التي فرضت على جميع دول العالم إغلاق حدودها الجوية والبرية والبحرية، وتعطيل الاقتصاد، وفرض حظر على حركة البشر بهدف محاصرة الوباء.
ومنذ ظهور الجائحة، اتخذت المملكة إجراءات متقدمة لحماية مواطنيها والمقيمين على أراضيها، كما اتخذت قراراً بتعليق العمرة والزيارة لأسباب صحية، ولحماية المدينتين المقدستين، والدول الإسلامية التي يتهافت مواطنوها على زيارة مكة والمدينة لأداء مناسك العمرة وزيارة مسجد رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.
ومع استمرار الجائحة، وعدم اكتشاف عقار أو دواء لمواجهة الفيروس، بات لزاماً على المملكة اتخاذ قرار عاجل للتعامل مع موسم حج هذا العام، في ظروف استثنائية لم يسبق لها مثيل في عصرنا الحديث. وبدلاً من تعليق الحج، وهو أمر سيراه العقلاء مبرراً مع استمرار الجائحة ومخاطرها الصحية، قررت المملكة إقامة الفريضة بعدد محدود من الحجاج من مختلف الجنسيات المتواجدين داخل المملكة، وهو قرار مبارك جمع بين أمرين؛ إقامة الشعيرة، وتحقيق متطلبات أمن الحجاج الصحي، وحفظ الأرواح، وهو الأكثر أهمية حتى من الجانب الشرعي. فمن أعظم مقاصد الشريعة، حفظ النفس، وهي من جملة الضروريات الخمس، التي أمر الإسلام بحفظها، وعدم إلحاق الضرر بها أو تعريضها للهلاك.
جهات إسلامية ودولية كثيرة أشادت بقرار السعودية، لعلمها المسبق بحيثيات اتخاذه، ولإيمانها التام بحرص قيادة المملكة على أمن وسلامة الحجاج، وثقتها بالمرجعية الشرعية التي تتحرك من خلالها في جميع شؤونها، وخاصة تعاملها مع الحرمين الشريفين. ولم يشذ من الإجماع الدولي غير قطر وإيران، وعملاؤهم من تنظيم الإخوان، الذين لا يتورعون عن المتاجرة بالدين لتحقيق مآربهم السياسية. فإقامة الشعيرة وتمكين المسلمين من أدائها بأمن وسلام وطمأنينة أبعد ما تكون عن اهتماماتهم. أجزم بأن أبواق الشر لن تصمت في حالتي إقامة الحج أو تعطيله، فهدفهم مهاجمة المملكة والتشكيك بقراراتها، بغض النظر عن نجاعتها وتقبل المسلمين وإشادة العالم بها. قال تعالى: {فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِن تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَث}.
«تسييس الحج» لم يكن يوماً هدفاً للسعودية، غير أن التعامل مع من يسعى إلى تسييسه وإفساده على المسلمين أو التشكيك فيه واجب شرعي قبل أن يكون واجباً وطنياً، ودولياً، وأمنياً.
حرصت المملكة على جمع كلمة المسلمين وتوحيد صفوفهم والتجاوز عن أخطاء بعضهم، لضمان تحقيق مقاصد الحج الشرعية، وتوفير الأجواء الروحانية الآمنة المعينة على قضاء الحجاج نسكهم، وإن تحملت في مقابل ذلك تكاليف باهظة، على المستويات الأمنية، السياسية، الإعلامية، والمالية.
وفي جائحة كورونا، أثبتت قدرتها على اتخاذ القرار الناجع الذي يجمع بين إقامة الشعيرة وحفظ سلامة الحجاج، مع اتخاذها الاحتياطات الصحية المحققة لمتطلبات الحج الآمن الذي أصبح شعاراً لموسم العام الحالي.