د.عبدالله بن موسى الطاير
الحرب الدبلوماسية المفتوحة بين الولايات المتحدة الأمريكية والصين وصلت حد إغلاق متبادل للقنصليات، وهو أهم مؤشر على تدهور العلاقات الثنائية حتى الآن. ومنذ وصل الرئيس ترامب إلى السلطة اتخذ قرارات غير مسبوقة ولكنها جميعاً كانت في مجال التبادل التجاري، وإعادة الوظائف التي هاجرت إلى الصين، ورفع التعرفات الجمركية ... إلخ. وعلى مدى الأشهر الماضية، دخل إلى لمشهد المتأزم عدد من الإجراءات التي زادت الطين بلة؛ منها زيادة القيود على التأشيرات، ومراجعة إجراءات السفر الدبلوماسي، وطرد المراسلين الأجانب، وفرض عقوبات على بعض المتورّطين في قضية الإيغور المسلمين، وتدابير صارمة بخصوص هونج كونج. وقد ردت الصين على الإجراءات الأمريكية الأخيرة بالمثل، وفرض الجانبان تدابير متبادلة، فهل اكتفى الجانبان أم أن التصعيد ما زال في بدايته.
مسألة الصين في أمريكا ليست سياسية فحسب، وهي ليست شأناً بين واشنطن وبيجين وإنما ذات بعد شعبي أمريكي يرى في الصين مهدداً يضر بالاقتصاد الأمريكي على مستوى الوظائف، التي تمس كل مواطن أمريكي، خاصة بعد أن أصبحت معظم مكونات الصناعات الأمريكية المعروفة من التليفون إلى الطائرة تصنع في الصين. إحساس المواطن الأمريكي العادي بالتهديد الصيني يجعل الرئيس الأمريكي في وضع أفضل انتخابياً عندما يضاعف ضغوطه على الصين في هذه المرحلة الحساسة من الانتخابات الرئاسية 2020م.
ولاية تكساس ذات 38 صوتاً انتخابياً تميل للجمهوريين ولكنها لم تحسم أمرها لصالح الرئيس ترامب حتى الآن. وبذلك فإن إغلاق القنصلية في هيوستن لا يمكن عزله بحال من الأحوال عن السياق الانتخابي. اختيار هيوستن لتكون منطلق الفصل الجديد في توتير العلاقات الصينية الأمريكية جاء بعد أيام قليلة من خطاب ألقاه مدير مكتب التحقيقات الفدرالي كريستوفر راي قال فيه «إن التهديد الصيني لمصالح الولايات المتحدة قد تسارع بشكل كبير في العقد الماضي، مشيراً إلى أنه يفتح تحقيقاً استخباراتياً جديداً ضد الصين كل 10 ساعات».
بالعودة إلى الماضي، فإن الرئيس ترامب تحدث عام 2016 في خطاباته ووعوده الانتخابية عن الصين التي مزقت الولايات المتحدة الأمريكية واعداً بإجراءات حازمة ضدها، وهو اليوم يخاطب ذات الناخبين وعليه أن يبرهن على أن وعده السابق قد وجد طريقه للتنفيذ. ومن جانب آخر يتعرض الرئيس لانتقادات قاسية، ليس من الديمقراطيين وحدهم، وإنما من أطياف كثيرة من الشعب الأمريكي، لطريقة تعامله مع فيروس كورونا، ولأن طبع دونالد ترامب عدم الاعتراف بالتقصير وإنما إحالته على آخرين، فإنه في هذه الحالة يلوم الصين، ويردد دائماً تسميته الخاصة «الفيروس الصيني» وهذا يجد أذناً صاغية بين الناخبين الغاضبين الذين هدد الوباء وظائفهم وصحتهم وحياتهم الاجتماعية.
ما يدعو لبصيص من التفاؤل في هذا التوتر بين قوتين عالميتين ضخمتين أن الرئيس شخصياً يميل لتطوير العلاقات مع الرئيس الصيني على عكس الصقور في إدارته الذين يتبنون خطاً متشدداً ضد الصين ومنهم وزير الخارجية بومبيو. هذا التأزيم المتسارع جعل يد الصقور الأعلى في هذه الفترة، والرئيس مضطر للتماهي مع توجهاتهم، ولكن لا يُستبعد فيما لو فاز بفترة رئاسية ثانية أن يجري تغييرات في إدارته تسهم في تخفيف التوتر وتجد قبولاً صينياً.
التفاؤل في عودة العلاقات الصينية الأمريكية إلى سابق عهدها يشوبه الكثير من الحذر، فبالقدر الذي تلام فيه الظروف الانتخابية عن هكذا تصعيد، نصطدم بخطابات موازية تغذي العداء الإستراتيجي بين مكونين أيديولوجيين متقابلين هما الرأسمالية والشيوعية. والمتتبع لخطابات الرئيس ترامب ووزير خارجيته يلحظ توجيه اللوم للحزب الشيوعي الصيني، وفي المقابل اتخذت الصين إجراءات في هونج كونج لا يمكن فهمها سوى أنها موجهة لقيم الحرية والديمقراطية الغربية.
يصعب إصدار أحكام عن مستقبل العلاقات الأمريكية الصينية في هذه الفترة الانتخابية ولكن الصورة ستكون أكثر وضوحاً عن المستقبل بعد نوفمبر القادم. ليكن السؤال عمَّا إذا كانت حرارة الانتخابات الأمريكية قد أذابت العلاقات مع الصين في سبيل إعادة تشكيلها إستراتيجياً، أم أن الأمر لا يتجاوز كونها وسيلة تكتيكية للتنافس، وستنجلي سحابة صيفها عندما يؤدي اليمين ساكن البيت الأبيض في 20 يناير 2021م.