يواصل عدد من المواطنين مبادراتهم في تسليم ما لديهم أو ما عثروا عليها من قطع أثرية للدولة، في ظاهرة تعكس ارتفاع الوعي لدى المواطن السعودي بأهمية الآثار وضرورة تسليمها للجهة الحكومية المختصة. وأصبحت حملات التوعية بقيمة الآثار وأهمية استعادتها تجد صدىً لدى المواطن؛ من خلال تسليم القطع الأثرية التي في حوزتهم إلى هيئة التراث، وتسجيلها ضمن آثار المملكة، أو الإبلاغ عن على مواقع أثرية، وعند العثور على قطع أثرية لا يقتربون منها، حتى يقوم المختصون باستخراجها، وكشف القصة التاريخية التي تحكيها.
وكما أن كل قطعة أثرية تحكي قصة تاريخية، فإن كل قطعة تمت إعادتها تحكي قصة نجاح لمواطن أعادها، أو ساهم في إعادتها، أو أدلى بمعلومات عنها. وكان صاحب السمو الأمير بدر بن عبدالله بن فرحان آل سعود، وزير الثقافة، قد قدم شكره وتقديره مؤخرا لمواطنين تقدما بالإبلاغ عن مواقع وقطع أثرية لتسجيلها وحمايتها. وأشاد سموه بمبادرة المواطنين التي تعكس ما يتمتعان به من حس وطني، ووعي مرتفع بأهمية حماية الآثار والمحافظة عليها باعتبارها إرثاً مهماً لتاريخ الوطن وحضارته. حيث تواصل المواطن سالم عوض سعيد الحربي من سكان قرية الفريش غرب المدينة المنورة مع هيئة التراث، للإبلاغ عن عثوره على قطعة أثرية عبارة تحوي نقشاً إسلامياً مبكراً بالقرب من طريق ينبع القديم في موقع وادي ملل غرب المدينة المنورة بمسافة 20كم، وقد تم التواصل معه والوقوف على الموقع، وتم استلام القطعة منه لإجراء الدراسات عليها، ومن ثم حفظها في متحف المنطقة وتسجيلها باسم المواطن. وفي منطقة عسير قدم المواطن علي بن محمد العنابس القحطاني، بلاغاً عن موقع أثري يقع في وادي إيساف بمركز ثجر سويدان التابع لمحافظة الأمواه بمنطقة عسير، يشمل رسوماً ونقوشاً صخرية تعرض بعضها للتخريب بإطلاق أعيرة نارية. وقد تمت الاستجابة لبلاغ المواطن حيث تعمل الهيئة على تسجيل الموقع في سجل الآثار الوطني، إضافة إلى تسوير الموقع ووضع اللوحات التحذيرية التي تمنع من التعدي عليه. وقد ثمن المواطن سالم عوض سعيد الحربي شكر وتقدير سمو وزير الثقافة مبينا أن ما قام به هوا واجب تجاه وطنه وتراث وتاريخ بلاده، وقال: «هذه القطعة أهديها شخصيا وأبناء قرية الفريش لوطننا الغالي، وهذه القطعة وجدتها بالقرب من قرية الفريش في منطقة المدينة المنورة على طريق القوافل القديم ما بين المدينة المنورة ومكة المكرمة وجدتها في موقع قريب من منزلنا في عام 1410 وتحمل نقشا، وهي عبارة عن ميل حجري يحدد المسافات منقوش عليه عبارة «أحد عشر ميلا»، يقع بين محطتين محطة وادي ملل ومحطة السيالة، والمسافر المتجه من محطة ملل يجد هذا الحجر الميلي أمامه يرشده إلى المحطة التالية التي تبعد عنه 11 ميلا».
وأضاف الحربي أنه كثير ما يذهب للاطمئنان على الحجر إلى أن سمع بقرب بناء مسجد بالقرب منه فاضطر إلى حمله إلى البيت بمساعدة العمال ومن ثم إهدائه إلى هيئة التراث. وكانت الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني (سابقا) قد نجحت في استعادة أكثر من 54 ألف قطعة أثرية من داخل وخارج المملكة. وتكريم حوالي (300) شخص من داخل المملكة وخارجها من قاموا بإعادة قطع أثرية وطنية، وذلك في عدد من المناسبات التي أقامتها الهيئة. ويتم تسجيل القطع الأثرية التي تتم استعادتها في السجل الرقمي للقطع من خلال خريطة رقمية وفق المعايير العالمية الخاصة بتسجيل وأرشفة البيانات المتعلقة بالمواقع والقطع الأثرية والتراثية. ويهدف مشروع التسجيل الرقمي للآثار الوطنية إلى توثيق وتسجيل جميع المواقع والقطع الأثرية والتراثية والمعالم التاريخية ومباني التراث العمراني في سجل وطني رقمي شامل يرتبط بخريطة رقمية متعددة المقاسات، ومتوافقة مع التقنيات الحديثة لنظم المعلومات الجغرافية، وقواعد البيانات الرقمية، والخرائط، والصور، والرسومات.
ويشمل التسجيل الرقمي الجديد معلومات تفصيلية كاملة عن حوالي 32 ألف قطعة أثرية وطنية تم إعادتها من الخارج، بالإضافة إلى حوالي 22 ألف قطعة أثرية وطنية أعادها المواطنون منذ بدء حملة استعادة الآثار الوطنية في شهر محرم عام 1433هـ.