من أهم العوامل التي تساعد العمل التجاري في نجاحه واستمراره هو مواكبته للتطور في جميع المجالات ومدى قدرته على التغير وفق ما يفرضه الواقع من متغيرات.
ومن هذه المجالات الحديثة التحول الرقمي الذي وضعت الدولة - رعاها الله - له خطط وإستراتيجيات نحو توجيه كافة قطاعاتها وكذلك القطاع الخاص للاعتماد عليه في تعاملاتها.
وبما أن القطاع الخاص يعتبر جزءًا من منظومة المجتمع فإنه يتحتم عليه أن يواكب ويتكيف مع هذا التحول الرقمي.
فكما هو معلوم أن ركائز التحول الرقمي تكمن في تغيير السلوك القديم التقليدي في التعامل نحو سلوك حديث يعتمد الاعتماد الكلي على التطور التقني في ظل ما وفر له من بنية تحتية متطورة يتم خلالها إنجاز التعاملات بسرعة ودقة فائقة وفق أحدث النظم الإلكترونية.
ونخص في مقالنا ما حدث من تطور رقمي في مجال التقاضي، والذي بدأ في اعتماد التبليغات الإلكترونية وتبعها بعد ذلك تقديم الدعاوي إلكترونياً إلى ما وصلنا إليه حالياً تبادل للمذكرات إلكترونياً والحضور عن بُعد للجلسات القضائية.
فنجد أن الأنظمة واللوائح التنفيذية والتعاميم الحديثة مجمل أهدافها هو تقديم الخدمة وإنجازها بسرعة بسهولة ودقة في ظل الاستفادة الكاملة من التحول الرقمي.
فقبل أسابيع عدة صدرت اللائحة التنفيذية لنظام المحاكم التجارية، والتي احتوت على أحكام وتفسيرات لمواد نظام المحكمة التجارية.
ونقف هنا عند نقطة مهمة وهي أن الإلمام بأحكام هذا النظام ولائحته التنفيذية لا يقتصر على القانونيين فقط، وإنما يجب على التاجر أو المسؤولين في المنشآت التجارية معرفته والإحاطة بأحكامه ولو ببعضها لأن في ذلك حفظ للحقوق في التعاملات التجارية قبل وأثناء المطالبة بها أمام المحكمة.
فمن أحكام نظام المحكمة التجارية ولائحته التنفيذية الحديثة ما يلي:
* لا تسمع الدعاوي بعد مضي خمس سنوات:
احتوى النظام ولائحته التنفيذية على مدد محددة لإجراءات التقاضي، كذلك على مدة تقادم حددها بخمس سنوات وورد ذلك في المادة الرابعة والعشرون من نظام المحكمة التجارية والتي جاء فيها لا تسمع الدعاوي بعد مضي خمس سنوات من تاريخ نشوء الحق المدعى به.
وعلى ذلك فإن التقاعس عن المطالبة بالحق من تاريخ نشوءه ومضي خمس سنوات على هذا التاريخ يجعل من المطالبة به غير مسموعة أمام المحاكم، حيث تحكم المحكمة بعدم سماع الدعوى لمضي المدة، إلا إذا أقر المدعي عليه بذلك الحق أو كان هناك عذر يقدم للمحكمة خاضع لتقديرها.
لذا يجب على من يمارس العمل التجاري أن يبدأ بحصر حقوقه غير المحصلة وتحديد تواريخ نشوءها، ويعيد حساباتها بأن يغير من طريقة التعاملات التي كان يتعامل بها في السابق في تجارته وخصوصاً الحذر في الموافقة على الإمهال والوعود الطويلة الأجل في استحصال حقوقه التي حان وقت أدائها له.
وقد يتساءل إن كان هناك حق قديم قبل صدور النظام ولم يتقدم صاحبه للمطالبة به إلى المحكمة التجارية ومضى على تاريخ استحقاقه أكثر من خمس سنوات فهل تسمع الدعوى؟ الإجابة هنا أنه يحق لصاحب الحق التقدم بالمطالبة، حيث ستحسب مدة التقادم (الخمس سنوات) من تاريخ نفاذ هذا النظام وليس من تاريخ نشوء الحق الذي كان قبل نفاذ النظام.
* تكون إجراءات نظر الدعوى والمرافعة كتابة:
ومن أحكام هذا النظام أن الأصل في إجراءات نظر الدعوى والمرافعة كتابة، ولذا فإنه يجب أن يكون ما يقدم للمحكمة واضحاً ومدعماً بكافة المستندات وخصوصاً أثناء مرحلة تهيئة الدعوى، وألا يتأخر في تقديم أي مستند يدعم الدعوى فقد لا يقبل بعد ذلك.
* الاختصاص المكاني:
ومن الجوانب المهمة في هذا النظام ما جاء بخصوص الاختصاص المكاني (وهو مكان إقامة الدعوى) وهذا الدفع مهم لطرف الدعوى كمدعى عليه تيسيراً له أن تكون المحكمة في مكان إقامته، حيث أوجب على المدعى عليه إبداء دفع بعدم الاختصاص المكاني قبل أي دفع أو دفوع أو طلب بما في ذلك (أثناء مرحلة تهيئة الدعوى)، أي أنه يجب على المدعى عليه ألا ينتظر إحالة الدعوى من الإدارة الخاصة بتهيئة الدعوى إلى الدائرة القضائية المختصة وإبداء الدفع بعدم الاختصاص عند نظرها، وإنما يجب الدفع به مباشرة قبل تقديم أي دفوع أو طلبات أمام الإدارة المختصة بتهيئة الدعوى.
* الاتفاق على قواعد محددة في الإثبات:
ومن الأحكام المهمة التي جاء بها نظام المحكمة التجارية ما يخص إجراءات الإثبات، حيث يمكن للأطراف الاتفاق كتابة على قواعد محددة في الإثبات - وفق النظام العام- ويجب على المحكمة العمل بهذا الاتفاق، ومن فوائد ذلك أنه يجعل الإثبات واضحاً وسهلاً ومحدداً أمام القضاء ويقلص مدة التقاضي، كذلك يغني عن الحاجة إلى تعيين خبير في الخلاف القائم.
حيث يستطيع الأطراف عند تعاقدهم إضافة مادة (أو بند) إلى هذا التعاقد تبين كيفية إثبات الوفاء بالحق أو أداء الالتزام المنصوص عليه في العقد، ومثال ذلك الاتفاق على توريد بضاعة وكانت هناك شركة وسيطة للنقل لا تتبع أحد طرفي الاتفاق فلهم أن يتفقوا على أن سند استلام البضاعة الصادر من شركة النقل هو إثبات على استلام البضاعة وبالحالة المتفق عليها في العقد، وبهذا الاتفاق فإن سند الاستلام يعتبر هو الحجة أمام القضاء والقاعدة المتفق عليها بإثبات وصول البضاعة واستلامها بالحالة المتفق عليها في العقد، ومن الأمثلة كذلك الاتفاق في عقود المقاولات على قاعدة إثبات محددة، وهي أن تشغيل المشروع في أي وقت سواء أكان قبل الاستلام الابتدائي للمشروع أو بعده أو إن تم ربط هذا المشروع بأحد المشاريع القائمة يعد هذا التشغيل أو الربط إثبات استلام من صاحب المشروع وأنه قد تم إنجازه وفق الشروط المتعاقد عليها، حيث نجد أن أغلب قضايا شركات المقاولات تدور حول معاناة استلام المشاريع في التواريخ المحددة بالرغم من إنجازها في تلك التواريخ، فأغلب التأخير يكون من صاحب المشروع نفسه أو من المهندس المشرف على المشروع.
* الحذر عند الاطلاع على ورقة عادية لم يحررها طرف الدعوى:
وتناول النظام ولائحته التنفيذية ما يخص (الكتابة) وهي ما يقدم أثناء الدعوى من مستندات كأوراق مكتوبة سواء أكانت بخط أو توقيع أحد أطراف الدعوى، أو لم تكن بخطه أو توقيعه أو ختمه أو بصمته، فنود أن ننبه إلى أنه عند الاطلاع على ورقة عادية لم يحررها طرف الدعوى يجب عليه أن ينكرها صراحة وفوراً دون الخوض في تفاصيل موضوعها، لأنه إذا ناقش موضوعها فإنه لا يقبل منه بعد ذلك إنكار خطه أو توقيعه أو ختمه أو بصمته، حيث جاء في النظام أن احتج على أحد طرف الدعوى بورقة وناقش موضوعها فإنه لا يقبل منه إنكار الخط أو التوقيع أو الختم أو البصمة، وهذا ينطبق أيضاً على المراسلات الإلكترونية.
* جواز اعتبار الدليل الإلكتروني حجة في الإثبات:
ومن الأمور التي يجب الحذر فيها المراسلات أياً كان نوعها وطريقة إرسالها، حيث تعتبر المراسلة الصادرة من عنوان المراسلات الرسمي المنشأة حجة أمام القضاء ومن أنواع المراسلات ما يتم عمله إلكترونياً من مراسلات ومحررات ووسائط ووسائل اتصال، ولذلك يجب التنبيه على موظفي الإدارات القانونية في المنشآت التجارية وكذلك من سمح لهم باستخدام المراسلات الرسمية بذلك، حيث اعتبر النظام ولائحته التنفيذية أن المراسلة صادرة من المحتج عليه حتى وإن صدرت من تابع له متى استخدم هذا التابع أداة المراسلة الخاصة باسم المتبوع.
* تزويد المحامي بكافة ما يطلبه في الميعاد الذي حدد له من المحكمة:
ومن أحكام النظام أنه قرر على من يتخلف من أطراف الدعوى عن تقديم ما طلب منه في الميعاد المحدد دون عذر أن ستفرض عليه غرامة أو لن يقبل منه طلبات عارضة أو مقابلة منه بسبب تخلفه عن تقديم ما طلب منه في الميعاد المحدد.
ونشير هنا إلى نقطة مهمة وهي أن امتناع أحد الأطراف عن تقديم ما أمرت به المحكمة بتقديمه إلى الطرف الآخر فللمحكمة أن تعد امتناعه قرينة.
* براءة ذمة المدين إذا أشر الدائن بخطه بذلك على سند الدين وإن لم يوقع:
كذلك من الأحكام المهمة أنه في حال أن أشر الدائن على سند الدين بخطه ببراءة ذمة المدين حتى وإن لم يوقع على ذلك فإنه يعد ذلك حجة عليه ما لم يثبت غير ذلك.
* تقديم شهادة مكتوبة، وبالإمكان توثيق الشهادة وإن كان ذلك قبل إقامة الدعوى:
وقد أجاز النظام أن يقدم أحد الأطراف شهادة مكتوبة، وأنه في حال أن أراد أحد الأطراف توثيق شهادة وإن كان ذلك قبل إقامة الدعوى فإنه يستطيع توثيق هذه الشهادة عند موثق مرخص له وفق الشروط المذكورة في اللائحة التنفيذية، وفائدة ذلك أنه يبدد العقبات السابقة في عدم استطاعة إحضار الشاهد للشهادة أمام المحكمة لظروفه.
* تعويضات عن الأضرار المادية وكذلك المعنوية:
وفي حال طلب تعويضات عن الأضرار المادية والمعنوية فإنه يجب على المتضرر أن يوضح للمحكمة جسامة الضرر الذي أصابه، وعليه أن يثبت مماطلة المحكوم عليه، لأنها من الأمور التي أوجبت اللائحة التنفيذية للنظام المحكمة مراعاتها عند الحكم بها.
* طلب إصدار أمر أداء:
ومن الأمور الحديثة في نظام المحكمة التجارية ولائحتة التنفيذية ما يعرف بأوامر الأداء ومختصر ذلك أن يتقدم بطلب إلى المحكمة لإصدار أمر أداء لحق ثابت مكتوب وحالاً ومعين المقدار وله شروط معينة واضحتها اللائحة، ويسبق ذلك التقديم إجراءات معينة يجب اتبعاها، وننوه إلى أن هذا الطلب مستثنى من القواعد العامة في رفع الدعاوي، ولذا فإنه يقلل كثيراً من الوقت والجهد الذي تأخذه الدعاوي للمطالبة بالحق، ونظراً لتعدد أحكام وأهمية طلب إصدار أمر الأداء فلنا عودة إن شاء الله في مقال آخر.
* الاتفاق على نهائية الحكم أمام الدائرة الابتدائية:
ومن الملفت أن نظام المحكمة التجارية ولائحته التنفيذية أجاز الاتفاق على أن يكون حكم الدائرة الابتدائية نهائياً ولو كان ذلك قبل رفع الدعوى. ومن فوائد هذا الاتفاق أنه سيختصر الكثير من الوقت والجهد في التقاضي أمام المحكمة.
وختاماً أود أن أنوه إلى أن مقالنا لم يفصل كل أحكام نظام المحكمة التجارية ولائحته التنفيذية وإنما جاء مختصراً لأبرز ما جاء فيه، وهدف ذلك هو إيضاح أهم هذه الأحكام أمام من يمارس العمل التجاري ممن تنطبق عليه أحكام هذا النظام، للأخذ بها ومراعاتها لحفظ حقوقه قبل أو أثناء التقاضي.
** **
سلطان سليمان الأحمدي الحربي - محام ومستشار قانوني
s.s.m.a@hotmail.com