د. خيرية السقاف
ربما هي لحظات يدخل فيها أحدهم إلى تجويف ذاته..
يتكور ذرة في فسيفساء نسيجها.. يستغرق في فضائها غير المتناهي؛ غير المرئي، غير المعروف...
نفسه هذه الكائن المجهول له، التي لا تنفصل عن قالبه الخارجي، التي ليست غيره، التي هي هو، لكنها التي لا تمسها بصمات كفيه، و لا تُرى بعينيه، مع أن كل عضو فيه جزء منها بتلقائية ما درج يفهم عنها!..
على مدى حياة الحياة فيه، منذ أزل بدئه هو وأشباهه يسدرون في الانغماس بالحياة، دون أن يتفكروا في هذه الذات فيهم،، وقد لا يتماهون مع الأسئلة عنها،
بينما هذا منهم يطرق كل منفذ ليدخل فيها، بتماه مع كل ما يذهب به إليها باحثاً يتأمل،
مبحراً مجدفاً..
ربما يقرص جلده ليتأكد أنها هو ليتعرفها، أو يصرخ عالياً منتظراً أن تجيبه..
وربما يتماهى معها في تلويح فكرة تمرق به، أو ومضة كلمة تنبت على لسانه،
أوإيقاع صوت ينبلج عن جوفه، أو حفيف نَفَس تزفره رئتاه!..
صوته الخارج من فمه، أذنه التي تستقبله وتميزه، أنفاسه التي تتبادل مرورًا من داخله إلى سطوح كفه..
ما يدور في رأسه من صور، ويتشكَّل من رسوم جُمل على مرأى ناظره، أو أفكار تتماهى في جوف مخيلته كلها تعابير، ملامح، أشكال، صور لكينونة هذه التي هو ولا يعرفها!..
حتى ما يمر بأنفه من رائحة، ويقع على لسانه من طعم، وما يصدر تلقائياً من حركات قدميه خطواً نحو وجهة ما..
عن مشيئة خفية المصدر فيه..
عن حركة يديه تمتدان تحملان، تلتقطان، تلمسان، تشير فيهما أصابع..
بعينيه تبصران مدى أو لا تفعلان، بخفق ينبض خفياً فيه، يدق في صدره، يجده في رأسه، يلمسه في عروقه الدفينة أيضاً..
بكمون عميق ينبثق عنفوانه حين حضور يوسم بضميره لا يراه !.........
كل هذا الكائن أهو هي؟
ذاته المفعم بها جوفُه؟!..
ويذهب يسأل: أذاته الموسوم بها..
المشكَّل عليها في داخله فقط؟..
أو هي ظاهره الذي يرى، ويلمس؟!..
أهي ما خفي عنه منه؟..
أو هي ما تظهر منه له؟..
بينما هو لا يملك منها شيئا؟! ..
* * *
الذاهبون في شأنها على مدى حياة الحياة في ذوات البشر قد خاضوا فيها..
ويبقى عنها عند كل ذات ما يقول..!