د. جمال الراوي
قد يُبتلى الأهل بطفلٍ بأنْ يكون لديهم، ولدُ مُعاقٌ أو مصابٍ بمرض مزمن، ومن أحد هذه الابتلاءات أن يكون الطفل من المصابين بمرض التوحّد؛ الذي ينجم عن اضطرابٍ في النمو العصبي، مما يجعل الطفل غير قادرٍ على التواصل مع محيطه الخارجي، وهو مرضٌ يختلف عن الإعاقات البدنية والنفسيّة المعروفة، كما تختلف حدّته ودرجته من طفلٍ لآخر... والعائلة؛ التي يتواجد عندهم طفلٌ مصاب بالنوع الحاد من هذا المرض، أو بالأحرى الشرس، سيعانون من عدوانيته وشراسته؛ فلا ينفع معه أيّ نُصُح أو زجرٍ وعقاب، وقد يقوم بكسر الصحون وبعثرة الأواني في المطبخ، وكسر زجاج الشبابيك وضرب إخوته، وغير ذلك من أفعال لا يستطيع أحدٌ تحملها، ولا يستطيع أي زائرٍ لهم، المكوث عندهم أكثر من ساعة، ليغادرهم وهو مذهولٌ ومتعجبٌ لقدرة التحمّل التي يمتلكها أهله!!
رغم إعاقة الطفل، فإنّك تجد اهتمام الأهل به، لا يتناقص؛ وقد يتضاعف، ويصادفنا كثيرًا، في الممارسة الطبيّة، أنْ يأتي الأهل بابنهم المُعاق إلى المستشفى؛ بسبب إصابته بكسرٍ أو مرضٍ، فنجد الاهتمام البالغ من الأهل به، خاصة من الأم التي تجلس بجواره طوال الوقت؛ فتقوم بحمله وتنظيفه، رغم أنّ عمره قد يتجاوز العشر سنوات، وقد لا تجد من بشريته سوى هيكل عظمي ولحمي، لأنه فاقدٌ للعقل والوعي والتفكير، وليس لديه أيّ إحساسٍ بما يجري حوله، كما أنّه لا يفقه من الكلام والقول شيئًا؛ وكلامه ليس سوى أنين وآهات، فنُصاب بالذهول، ونحن نتأمّل هذا المنظر، ليس بسبب إعاقة الطفل، وإنّما لدرجة تحمّل الأم التي تبدو مُذهِلة؛ ونحن نلمس ونرى خوف الأم وشفقتها المُبالغ فيها عليه؛ فيتبادر إلى خاطرنا تساؤلٌ غريب، عن سبب اهتمام الأمّ بهذه الكُتلة العظمية المُغطاة باللحم!!
المنغوليّة من العاهات المعروفة، ولها علاقة بتشوهٍ في الجينات، ويكون وجه الطفل شبيهًا بالمنغوليين من العِرق الأصفر، مع تخلّف عقلي متوسط إلى شديد، وميلٍ إلى البدانة، وقد تجد أهل هذا المُنغولي، يخفون حقيقة إعاقة ابنهم عن الآخرين، وتلاحظ عدم اشتراكهم في أيّة نشاطاتٍ أو علاقات عائلية أو اجتماعية، ولا يخرجون به إلى الأسواق، لأنّ منظره لافِتٌ للأنظار؛ لأنّ النّاس تُلاحقهم وتلاحقه بنظراتهم، وقد تجد منهم من يطيل النظر إليه أكثر من اللازم؛ مما يثير الخجل والحرج لدى أهله؛ بسبب هذه النظرات التطفليّة.
معظم الدول والهيئات تهتم بالأطفال المعاقين، وتحاول إصدار تشريعات لحمايتهم من الإيذاء أو الإهمال، وتحاول دمجهم في المجتمع، الذي قد يرفضهم أو يحاول إبعادهم أو التمييز ضدهم؛ لكنها قوانين وأنظمة، كثيرًا ما تهمل الأهل الذين يقومون برعايتهم، والذين تبدو معاناتهم أكبر من أطفالهم المعاقين، فتجد هذه المنظمات تحرص على الطفل المعاق، وتقدّم له المعونات والخدمات والدعم النفسي والمعنوي والمادي، وتتناسى بأنّ معاناة أمهاتهم وآبائهم أشد وأقسى من هؤلاء الأطفال، وكثيرًا ما تلاحق تلك المنظمات والهيئات الأهل وتراقب مدى عنايتهم بأطفالهم المُعاقين، خشية أنْ يكون اهتمامهم قاصرًا أو غير كافٍ.