طوتك يا سعد أيامٌ طوت أُمماً
كانوا فبانوا وفي الماضين مُعتبرُ
وهذه سنة الله في خلقه إلى يوم البعث والنشور، ولقد هاتفني أحد أبنائي معزياً في وفاة صديقنا الوفي سعد بن محمد بن سبيت (أبو محمد) أحد رجال محافظة الدلم والعِذار الأخيار لعلمه بعلو مكانته لدينا حُباً وتقديراً، الذي لاقى وجه ربه يوم السبت الموافق 13 ذي القعدة 1441هـ، وبعد أداء صلاة الميت عليه وووري جثمانه الطاهر بمقبرة الدلم -بمنطقة الخرج- في جو حزن وأسى..، وقد تأثرت كثيراً على رحيله وبعده عن أسرته ومحبيه -تغمده المولى بواسع رحمته-، وكانت ولادته عام 1351هـ بمهوى رأسه (بلدة العذار) إحدى الأرياف المجاورة لمدينة الدلم، فنشأ منذ طفولته حياة صعبة وشاقة..، حيث توفي والده وهو صغير لم يبلغ العاشرة؛ فنشأ يتيماً، ثم توفيت والدته بعد عدة أعوام..، فأصبح هو المُعِيل لإخوانه وأخواته رغم صغر سنه - كان الله في عونه وعون إخوته.. - محاولاً تسليتهم ومعوضاً عن فقد حنان الأبوين بخروجهم من منزلهم الى زيارة بعض الأقارب والجيران، والمرح مع صغارهم ليخفّ ما تجيش به نفوسهم من أحزان حرى تذيب جوانب قلوبهم تحسراً ولوعةً، وخاصة عندما يأتي المساء، وينفرد كل واحد منهم في فراشه، ولقد أجاد الشاعر المصري حفني بك ناصف القائل مُسلياً لمن سكن الحزن بين جوانحهم:
وعللوهم بآمال مفرحة
فطالما سرّت الآمالُ محزوناً
لولا الأماني فاضت رُوحهم جزعاً
من الهموم وأمسى عيشهم هُوناً
ومع ذلك لم يفته قطار التعلم بل تعلم ودرس في المدارس الليلية بكل جد ونشاط إلى الصف السادس..، ثم التحق بالعمل في وزارة المعارف عام 1382هـ، وتنقل فيها بين المدارس محبوباً لدى مديري المدارس وزملاء العمل لما يتمتع به من حيوية وإخلاص طيل حياته الوظيفية حتى تقاعد تاركاً ذكراً حسناً مع زملائه ورفاقه..، وقضى بقية عمره زاهداً في الدنيا ومقبلاً على الطاعات التي تقربه إلى مرضاة الله جل ثناؤه، كما كان حريصاً على مجالس العلماء وحضور دروسهم ومحاضراتهم، وممن لازمهم واستفاد منهم الشيخ عبدالرحمن بن عبدالعزيز بن سحمان والشيخ عبدالرحمن بن عبدالعزيز بن جلال، والشيخ صالح بن عبدالعزيز بن هليل والشيخ عبدالعزيز بن عبدالرحمن الشثري، وكان يصوم رمضان كاملاً في مكة المكرمة لأكثر من عشرين عامًا، ويشارك في تفطير الصائمين في الحرم، ولم يترك ذلك العمل حتى كبر سنه فصار ملازماً لكتاب الله مكباً على قراءته لا يفتر ولا يكل حتى ضعف بصره، كما كان أول من أسس اجتماع العائلة منذ أكثر من أربعين عاماً في مناسبة الأعياد والمناسبات الأخرى وتفقد أحوال بعض المعسرين، وله مساهمات في دعم بعض طلاب العلم وتشجيعهم. وكانت معرفتي بأبي محمد منذ عقود طويلة أثناء تكليفي برئاسة لجان الاختبارات التي كان مقرها مدرسة ابن عباس في محافظة الدلم لمدة عامين متقاربين، وكان يدعونا إلى منزله كما هي عادة أهل الدلم الكرماء، وكانت الزيارات متبادلة فيما بيننا، وكذلك التواصل هاتفيًا حتى قُبيل وفاته بأيام -رحمه الله-:
قضيت حياة ملؤها البر والتقى
فأنت بأجر المتقين جدير
تغمد الله الفقيد بواسع رحمته وألهم أبناءه وبناته وعقيلته وشقيقته وشقيقه عبدالله ومحبيه الصبر والسلوان.
** **
- عبدالعزيز بن عبدالرحمن الخريف