خالد الربيعان
أنت في نهاية الأسبوع، الحرارة في حدود الخمسين. في السيارة تقوم بتشغيل المكيف فتحس أنه تحول لتنين.. ينفث نارًا من الخارج قبل أن يلطف عليك الأجواء قليلاً. مرهق جسدًا وعقلاً، وأنا قبلك بالطبع. نحاول تلطيف الأجواء معًا لشحن بعض الطاقة.. فالجو العام، بما فيه من كورونا وظروف عالمية صعبة ومناخية أصعب - مع استنباط كلمتك يا عزيزي يا رؤوف - لا يرحم بالمرة!
سمعت حوارًا أشعرني باليأس اللحظي بين اثنين حول المستقبل ما بعد كورونا.. عن العمل وظروفه، وهل في الإمكان حدوث معجزة تنتشل المتضرر من ظروفه النفسية والاقتصادية.. حتى في وسطنا الرياضي الأندية والاتحادات بل اللاعبون والمدربون يفكرون التفكير نفسه.. أبرزتها تساؤلات الزملاء الإعلاميين التي بلا إجابة عن: كيف سنخرج من الأزمة.. متناسين أنهم جزءٌ من الحل بما يطرحونه.. واجب على من هم في أماكنهم وأدوارهم..
أنا مصمم على جملة «من لم يقرأ التاريخ وجب عليه أن يعيده».. فالزمن «أكري».. دائري.. تمامًا كالكرة.. بدايته عين نهايته، يتكرر باختلاف الأزمنة.. ما عليك سوى قراءة الماضي - إذا تشابهت أحداث الحاضر - لتعرف الكثير عن المستقبل.. لذلك قيل: التاريخ يعيد نفسه. هل كنت تتخيل أن اليابان ستصبح هكذا بعد أن سُويت بالأرض، وضُربت بالقنابل الذرية. ألمانيا كذلك فيما يشبه المعجزة. إنجلترا. كل شيء في الدنيا «يتغير».. «في تغير دائم».. والمثل يقول «دوام الحال من المحال». وإن التغيير اللحظي في الكون كما يحدث من الأفضل للأسوأ: فالعكس أيضًا.. ما من كائن إلا ويلحقه التغيير.
ماذا عن المستوى الفردي.. عن هؤلاء الاثنين وخوفهما من المستقبل المهني/ الوظيفي/ المالي.. أقول لك مما أعرف في كرة القدم أمثلة سريعة من حال إلى حال في «لحظة».. لعلها تطمئنك وتكون دافعًا لك لمواجهة الأيام القادمة: لويس سواريز المهاجم الملقب بالدبابة.. بدايته كانت تنظيف الشوارع في بلده.. في «لحظة» التغيير انتقل من ناسيونال بأوروجواي إلى أياكس بمليون يورو.. ثم أصبح الرقم - بمزيد من العرق والتعب - إلى 80 مليون يورو بانتقاله إلى إسبانيا.
فان دايك بمراجعة مقال في السابق بعنوان «فيرجل» ستجد صبيًّا وظيفته غسل الصحون، يكتب وصيته بعد مرض قوي. اللحظة كانت انتقاله لجرونينجن الهولندي كسواريز تمامًا بمقابل 250 ألف يورو فقط.. ارتفعت في الأخير إلى 84 مليون يورو بانتقاله للريدز.
المغربي نور الدين مرابط قصة طموح وكفاح بمفردها.. عامل تنظيف، غاسل صحون، وصانع حلوى.. في الأخير هو في النصر بـ8 ملايين يورو. بينهما رحلة حياتية غنية للغاية بانتقاله لأندية أياكس وآيندهوفن في هولندا، وجلطة سراي وقيصري سبور في تركيا، وملقا وليجانيس في إسبانيا، ثم واتفورد في إنجلترا قبل محطة السعودية!
روبرتو فيرمينو قصة عجيبة عن طفل كانت والدته تخاف تركه للعب الكرة لخطورة شوارع البرازيل. أول وظيفة له بيع زجاجات المياه. رضي بالاحتراف بدون مقابل. يذكر أول ناديين، واللحظة كانت بانتقال لهوفنهايم الألماني بـ4 ملايين يورو، وأصبحت 41 مليونًا بانتقاله لليفربول. أحد أفضل من شغل مركزه في ناديه أو منتخب البرازيل، أكل «موزة» العنصرية «داني ألفيس»، بدايته كانت «مُزارعًا»، ثم 500 ألف يورو فقط لأشبيلية أصبحت فيما بعد 35 مليونًا «برشلونة».
صامويل إيتو: رمز للنجاح بالفعل. كانت بدايته بيع الأسماك مع والدته، ثم مهاجرًا غير شرعي في فرنسا، وبدون مقابل في أندية ليجانيس ومدريد وإسبانيول ثم مايوركا بـ4 ملايين يورو فقط. رحلة حياتية خاضها ببسالة مدهشة حول العالم، ثمنها أكثر من 115 مليون يورو، شملت إسبانيا وإيطاليا وروسيا وإنجلترا، ثم تركيا وقطر، وانتهت ببدايتها (الكاميرون). الأمثلة كثيرة للغاية، ربما نستكملها فيما بعد.. الثابت فيها هو مبدأ «التغيير».. في «لحظة».. تتعجب فيما بعد بالنظر إلى الماضي كيف حدث كل هذا.. ستصل في النهاية إلى أن الأمور كلها لم تكن بإرادتك من الأساس.. وأن هناك مَن يمسك بزمام الأمور..دائمًا.. فتفاءل!
مختتم
وَلا تَبْتَئِسْ مِنْ مِحْنَةٍ سَاقَهَا الْقَضَا
إِلَيْكَ فَكَمْ بُؤْسٍ تَلاهُ نَعِيم
فَقَدْ تُورِقُ الأَشْجَارُ بَعْدَ ذُبُولِهَا
وَيَخْضَرُّ سَاقُ النَّبْتِ وَهْوَ هَشِيم
إِذَا مَا أَرَادَ اللَّهُ إِتْمَامَ حَاجَةٍ
أَتَتْكَ عَلَى وَشْكٍ وَأَنْتَ مُقِيم