شريفة الشملان
حين صدر حكم المحكمة الأسبوع الماضي على الدعوة المقامة من إحدى الأسر على ابنتهم البالغة 27 عامًا الموظفة المقيمة في مدينة الرياض غير مدينة ذويها، بعدم تعزيرها ويحق لها العمل والخروج من بيت الأسرة. هذا الحكم تراوحت ردود الأفعال عليه، من فرح جداً وعلى رأسهم المحامي عبدالرحمن اللاحم الذي كسب القضية، لذا أخذ الموضوع وطار به عبر وسائل التواصل الاجتماعي. وله العذر في ذلك من ناحيتين الأولى لم يكن ذاك ليحدث قبلاً (قد تابع أغلبنا ما وقع لطبيبة قضي بعقوقها لوالدها)، ومن ناحية أخرى هو يبرهن على عمله كمحامٍ خاصة قد كسب قبلها قضية ما اشتهر (بفتاة القطيف).
ردود الفعل المجتمعية تراوحت ما بين مهلهل ومكبر لذاك الحكم، وما بين خائف منه ومن تبعاته، وللاثنين الحق كل بحسب توجهه.
الأول فرح لأن هناك كثيرًا من معوقات عمل الفتيات خاصة اللواتي لم يزلن في بيوت أهلهن، فبعض الأسر تتجبر وتحرم البنات كثيراً من حقوقهن في سبيل المحافظة عليهن، بل حتى منعهن من التعليم والابتعاث، رغم أن الدولة كانت تضع المحرم المرافق شرطاً للبعثة، وهذا شيء أفاد كثيراً من الشباب الذين رافقوا أخواتهم فحصلوا على راتب مرافق وأكملوا تعلميهم بل حصل بعضهم على بعثة وتعلموا لغة جديدة. بينما بعضهم أعاق مسيرة المبتعثة خاصة عندما يرى الشاب عالماً غير عالمه، فتصبح مهمة المبتعثة الركض خلفه. المهم هنا أن المرافق المحرم سهل على المبتعثة الحصول على موافقة أهلها.
الفريق الآخر الذي خاف كثيراً من هذا الحكم وخشي الكثير على بناته، فهو يرى أن الأسرة هي نواة المجتمع، وكما نعرف علميًا أن أي كسر للنواة هو أمر خطير، عندما يهلل لأمر صدر بحرية السيدة أو الفتاة بالسكن لوحدها، هذا أمر يخص الفتيات والسيدات اللواتي تضررن لأسباب عدة أغلبها عايشتها مع عملي في الشؤون الاجتماعية. هي حالات رغم قلتها فهي تمثل في غالبها حالة البؤس الذي تصل له السيدة التي تطالب بالسكن لوحدها، وأحياناً تجد ضرراً جسيما من سكنها في بيت أخيها أو والدها إذا كان متزوجاً بغير أمها. خاصة إذا كان معها صغار سواء كانت أرملة وليس لها بيت تسكنه وأطفالها، أو مطلقة، وهذا أمر ضروري وواجب، فإنها تعرف كيف تتصرف وتربي أطفالها دون أن يكون ذلك سببًا لكسر نواة الأسر، فالسيدة مع أطفالها هي أيضًا أسرة. المسألة كانت على الفتيات اللواتي لم يتزوجن بعد خصوصًا العاملات مما يجعل خروج بعضهن والعيش منفردات يترواح بين أمرين، الخوف عليهن من أن يكن مطمعًا لضعاف النفوس من جهة، من جهة أخرى فإن خروجهن يعني خسارة الأسرة لجزء من دخلها، وهذا طبعًا ليس قاعدة في مجمعنا ويختلف من مدينة لأخرى ومن البادية للحاضرة.
الأسرة المتفهمة لحاجات ابنتها والفتاة التي تتمتع بعلاقة طبيعية مع أسرتها، لن تحمل حقيبتها وتمضي خارجًا، تحت أي ظرف كان، لا بعد من التفاهم مع أسرتها وتفهم ظروفها ورغبتها في الانتقال للعيش خارج البيت سواء في المدنية نفسها أم خارجها، وغالباً فإن الأسرة تشرف معها على المكان قبل الانتقال وتهيئ لها السكن المناسب.
الأسرة التي تربت أجيالاً بعد أجيال على احترام كينونة العائلة الكبيرة والأسرة الصغيرة فإن التفاهم والحب هو الذي يجمعهم جميعاً ويحترمون رأي وعمل ابنتهم وطموحها ويدعمونه. بكل صراحة المسألة أساساً هي تربية الأواصر العائلية والأسرية منذ الصغر.
تربينا وربينا على شيء اسمه الاحترام سواء من البنات أو الأولاد فلم نتعود أن تستقل فتاة في بيت لوحدها أو مع زميلات لها دون ظرف قاهر. وعادة الولد أو البنت لا يخرجان من بيت الأسرة إلا لبيت الزوجية ويبقى البيت مفتوحاً لهم في أي وقت.. لا تضيق بهم الدنيا والبيت الكبير مفتوح.
البر بالوالدين مطلب ديني ودنيوي، المرور يوميًا على الوالدين للسلام عليهم وتقبل رؤوسهم وأياديهم عادة عرفناه منذ صغرنا ونحن نشاهد أمهاتنا وآباءنا يبرون بالأجداد.
نعم هناك آباء متعبون جداً وأيضاً هناك أبناء متعبون، وخاصة إذا كان هناك تعنت في مسألة المنع من السفر حتى تم إلغاؤه. العوائل أغلبها لم يكن هناك مشكلة لديها لأن البنات والزوجات أيضاً كما الأزواج والأبناء الأولاد لا أحد يسافر من دون معرفة الأسرة وتغلبًا على أمر الدولة كان الآباء يعملون موافقات مدة سريان جوز السفر.
لم يحدث أي إرباك للأسر المتفاهمة، بالعكس أغلب أرباب الأسر ارتاحوا من مسألة الموافقة من عدمها، وكان أمراً محرجاً عندما نصل إلى مناطق الحدود ويكون منتهي سريان التصريح.
قبل وجود أبشر، بالشرقية كان من يرأس الجوازات (الله يذكره بالخير) أكثر مرونة فيسمح لمن تتعدى الخمسين، يسمح لها من دون حصولها على موافقة، إلا أنه تغير وتغيرت الاجتهادات.. كتبت عن ذلك مرات عدة. ولم نجد حالة هروب واحدة بعد إلغاء التصريح.
والحقيقة أن الفتاة كالشاب في الأسرة لن يستقل شاب أو شابة يحترم ذاته وأسرته دون علمهم إلا لوجود خلل هو خارج عن القاعدة ليس الأساس. الفتيات في منزل أهلهن ملكات غير متوجات يحملن من الحب والدلال لحين ينتقلن لمنزل الزوجية داعين لهن بحياة سعيدة.
لدينا سلسلة من الضوابط الاجتماعية الأسرية تجعل أنه ليس من السهل العيش خارج البيت الأسري، فقط النظر للشباب والشابات الذين يعودون من الدراسة في الخارج كيف يفرحون بالجمع الأسري وحضن الأسرة.. نعم هناك عاقون، ولكنهم ليسوا الأصل. كما أن الحالة التي حكم لصالحها القاضي ليست قاعدة.. ونحن على ثقة بالدولة حيث الباب الثالث من النظام الأساسي للحكم والمادة العاشرة التي تنص (تحرص الدولة على توثيق أواصر الأسرة والحفاظ على قيمها العربية والإسلامية، ورعاية جميع أفرادها، وتوفير الظروف المناسبة لتنمية ملكاتهم وقدراتهم).
وللجميع أمنيات بأسر سعيدة متحابة ومنتجة.