العقيد م. محمد بن فراج الشهري
منذ أن وصل الخميني إلى طهران عام 1979م قادمًا من منفاه في فرنسا وحتى وفاته والنار تشتعل تحت قدميه، كما أن عصره كان أسوأ العصور التي مرت على إيران، واستمر تأثيرها على إيران حتى يومنا هذا، وهي في أسوأ حالتها الآن اقتصادياً، وسياسياً، ومصائبها تزداد يوماً بعد يوم، كل ذلك نتيجة للسياسة الهوجاء التي تتبعها وحرمان شعبها من أبسط حقوقه والتفرغ لنشر الفتن وزعزعة الأمن، والسلم العالمي، حتى أصبحت تتربع على عرش الدول المنبوذة بين دول العالم، وعلى النهج نفسه والأسلوب والطريقة سار الخميني التركي أردوغان، إذ إنه أدخل تركيا في نفق مظلم بعد أن هيمن على النظام في تركيا منفرداً بالسلطة ليحقق الحلم الذي راوده لعشر سنوات، بعد أن تمكن من تمرير تعديل دستوري يصب في مصلحته أولاً في إبريل من عام 2017م وافقت عليه أقلية، ضارباً بعرض الحائط لكل الأصوات المعارضة لخطوات تحويل النظام السياسي لنظام الرجل الواحد في يوليو 2018م، وأدى ذلك إلى تربع أردوغان على هرم السلطة، وأمسك بقبضته على كل الصلاحيات في البلاد، وكان أبرز الإجراءات التي اتخذها بعد ذلك هي استبداله لقانون الطوارئ بقانون مكافحة الإرهاب ليكون أداة جديدة للقمع .. ولقد كانت خطوة التحول للنظام الرئاسي قد أدت إلى المزيد من الديكتاتورية، إذ تركزت كل الصلاحيات في يده بموجب التعديل الدستوري لعام 2017م، وبعد أن فاز في الانتخابات الرئاسية في يونيو 2018م ازدادت وتيرة القمع والتنكيل بمعارضيه في الداخل وملاحقتهم وتصفيتهم في الخارج، والتضييق المستمر على الحريات وحلول كثير من المصائب على تركيا في ذلك العام كان التدهور الاقتصادي وهبوط الليرة أبرزها، ثم استمرت النكبات والتدهور في كل مناحي الحياة في تركيا، وخلال هذا العام كثفت الأجهزة الأمنية التركية عملياتها النوعية خارج تركيا لتصفية المعارضة، وقامت باختطاف عناصر معارضة للنظام التركي وتصفية آخرين، ففي يوليو فضحت وكالة (نوفينا) الأوكرانية للأنباء الإجراءات الأخيرة التي قام بها جهاز المخابرات التركي حيث نفذ عملية سرية، وقام من خلالها باختطاف شخصين في أوكرانيا بتهمة انتمائهما لحركة الخدمة المعارضة للنظام، وترحليهما إلى تركيا، دون علم السلطات الأوكرانية. وهذه العملية ليست بالأولى حيث سبق أن قام جهاز القمع الاستخباراتي في تركيا باختطاف كثير من عناصر المعارضة، وشهدت الأشهر الأخيرة من هذا العام ترحيل أكثر من 80واطنًا تركيا من أنصار (حركة الخدمة المعارضة) المقربة من الداعية فتح الله جولن من 80 دولة إلى تركيا والعديد من عمليات الخطف والترحيل في الأشهر الماضية .. وقد تسببت التنكيلات والاعتقالات التعسفية بحق المعارضة إلى هروب الكثير منهم إلى بلدان أوروبية، عقب محاولة الجيش الإطاحة بأردوغان، ومنذ يوليو من عام 2016م بدأ النظام حملة تطهير للمعارضة داخل وخارج تركيا، استمرت في عام 2018م، وتم على إثرها فصل أكثر من ثمانية آلاف ضابط و(170) لواء من الخدمة من الجيش وتم التنكيل بعدد كبير من أفراد الجيش التركي على يد أردوغان عند الإقصاء من المؤسسة العسكرية وامتدت عمليات الاعتقالات والتصفيات، حيث تشير الإحصاءات الأخيرة إلى اعتقال أكثر من نصف مليون بدعوى التآمر والخيانة، إضافة إلى (24) والياً و(73) نائبًا و(116) محافظاً و(2431) قاضياً ومدعياً عاماً.. ومنذ النصف الثاني من عام 2018م، دخل الاقتصاد التركي مرحلة خطيرة للغاية، في ظل تسارع انهيار الليرة أمام الدولار وسط تفاقم المديونات التركية، التي بلغت بحسب البنك المركزي التركي (452.7) مليار دولار تمثل (53.2 %) من الناتج الإجمالي (57 %) من هذه القروض على الشركات، وأصبحت الليرة التركية مهددة بالانهيار التام، وبالتالي شلل الاقتصاد التركي عدا الخسائر الأخرى في مجال السياحة، وكثير من المصائب التي حلت على رأس الشعب التركي التي تقف وراءها سياسات الدكتاتور أردوغان، إضافة إلى تدخله السافر في شئون كثير من البلدان مثل ليبيا ومحاولة امتصاص ثرواتها بطريقة أو بأخرى واستسلام شلة طرابلس لمخادعاته ومؤامراته على الشعب الليبي والشعوب العربية كافة، وكذلك في قبرص، واليونان، وسوريا، وتدخله السافر في العراق، إضافة إلى المصائب التي حلت على تركيا بأسباب تدخلاته فيما لا يعنيه في بلدان كثيرة ومحاولات ابتزازها، وتأتي قطر على قائمة الابتزاز والخضوع لأوامر أرودغان، حيث يعتبرها ولاية تابعة له، ورفض جيل الألفية في تركيا لأردوغان وتصرفاته الجنونية، والمطالبة بكبح جماح البطالة التي انتشرت بين الشباب إلى (30 %) وتقييد حرية التعبير على وسائل التواصل وحشر المحامين في زنزانات لا تليق بالبشر والملفات الفارغة، والاتهامات التي لم تشمل على أي لوائح اتهام، وإطلاق سراح القتلة، وتدمير القضاء المستقل... كل هذه من مصائب أردوغان التي جلبها لشعب تركيا حتى أصبحت تركيا وإيران في ميزان واحد سياياً وأخلاقياً وأصبح العالم كله ينتقد السياسة التركية والإيرانية بشكل علني، والكراهية تزداد يوماً بعد يوم لتصرفات قادتها، ولذلك نرى أن أردوغان قريب من النهاية ولن تمهله سياسته الغوغائية لتحقيق أي مكسب من المكاسب التي يتحدث عنها سوى الدماء والفشل الاقتصادي والسياسي، وسيكون أُفوله قريباً كما ذهب غيره من دعاة الشر والطغيان وأعوانهم، وسيجني أوردوغان ما جناه حكام أيران من لعنات, وسخط, وانحدار سياسي, وأخلاقي, ولن تمهله الأيام لتحقيق ما يحلم به من أحلام فاشية ضحيتها الشعب التركي المغلوب على أمره، وغدًا لناظره قريب..