د. عبدالرحمن الشلاش
يعد البحث العلمي إحدى وظائف الجامعة الرئيسة في أي مجتمع وذلك إلى جانب التدريس وخدمة المجتمع, لكن وظيفة البحث على الرغم من ذلك تعاني من قلة اهتمام بسبب التركيز فقط على التدريس. لتطوير أداء الجامعات لا بد من البحث عن صيغ ناجحة لتطبيقها لتواكب العصر الحاضر ومن هذه الصيغ والنماذج الجامعات البحثية التي انتشرت في دول كثيرة.
لم يمثل البحث العلمي تاريخياً إحدى مهام المؤسسات الاكاديمية حتى بداية القرن التاسع عشر عندما بدأت جامعة برلين باعتماده كأهم متطلباتها، ثم دعمت حكومة ألمانيا هذا النموذج البحثي الجامعي بغرض المساهمة في جهود التنمية، ثم طبقتها اليابان والولايات المتحدة الأمريكية، وفيما بعد عدد من الدول الأوروبية، ولأهمية البحث العملي ودوره في التنمية ظل واحداً من وظائف الجامعة وهي التدريس والبحث العملي وخدمة المجتمع، إلى أن بدأ التفكير في أي الوظائف أهم بالنسبة للجامعات، وأيهما تركز عليه الجامعة البحث أم التدريس، وكيف ترتب الأولويات وتخصص الموارد؟ لتظهر فيما بعد أنماط أخرى غير الجامعة التقليدية أطلق عليها مسمى الجامعات البحثية تمزج بين التدريس والبحث العلمي مع تركيز كبير على البحث، وهي مؤسسات نخبوية تؤدي أدواراً أكاديمية ومجتمعية من خلال إنتاجها الكثيف للمعرفة وتحويلها إلى تكنولوجيا.
قامت الجامعات البحثية بنماذجها وأنواعها المختلفة لسد الحاجة من العلماء والباحثين في شتى المجالات، ولتستوعب كل المواهب والعقول المتميزة في مجالات البحث والابتكار والتطوير من خلال نظام جامعي وإداري حديث يستوعب المتغيرات العالمية، وترتفع معه روح المنافسة العلمية بين كفاءات عالية التأهيل من أعضاء هيئة التدريس ومراكز البحوث.
أهمية الجامعات البحثية أنها في العصر الحالي ترتبط باقتصاد المعرفة على المستوى العالمي حيث ترتكز على تعظيم إنتاجها من الأبحاث العلمية الأساسية والتطبيقية، وتفيد مؤشرات اليونسكو أن الجامعات البحثية تحصد نسبة عالية من حجم التمويل العالمي، وتعتمد في نشاطها على كوادر علمية ذات كفاءة عالية وإنتاج بحثي متميز, ويتميز نموذج الجامعة البحثية بأنه يقوم على مجموعة من المدخلات المتمثلة في الحوكمة الرشيدة وجذب المواهب وتركيزها، والتمويل الوفير، وعلى مجموعة من المخرجات متمثلة في جودة البحث العلمي وجودة الخريجين ونقل التقنية وتوطينها.
نماذج الجامعات البحثية بميزاتها وسماتها وأنماطها المختلفة يمكن الإفادة منها في الجامعات السعودية والتي بدأت التفكير ثم التطبيق الجزئي لبعض النماذج في عدد محدود من الجامعات خصوصاً وأن البنية الجامعية بوجود أكثر من 30 جامعة تتقدمها جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية «KAUST» مهيأة لتلبية اشتراطات الجامعات البحثية، وتملك بعضها مرونة التحول من جامعة تقليدية إلى جامعة بحثية، وكذلك المزاوجة بين التدريس والبحث العلمي بتوافر قوى بشرية مؤهلة ونظم معلومات متقدمة ومراكز أبحاث وكراسي بحثية داخل الجامعات، وقطاع خاص قادر على المشاركة في التمويل لبحوث تخدم البلاد في كافة المجالات مع المحافظة على الجودة والتميز.
البحث العلمي يمثل أحد أنجع الحلول لكثير من مشكلات العصر لذلك تحويل عدد من الجامعات السعودية إلى جامعات بحثية خيار مستقبلي في غاية الأهمية لمواكبة المتغيرات والمستجدات.