عبدالعزيز السماري
فتحت أزمة كورونا الأبواب على مصراعيها للحوار حول دور الأبحاث الطبية في الترويج لمنتجات غير مجدية، وإسقاط أخرى تبدو فعالة. وهناك العديد من الأمثلة على كبح جماح الحلول النهائية للأمراض. فالمرض المزمن يعتبر منجمًا يدر ذهبًا على شركات الأدوية. ومن الأمثلة المسكوت عنها دور الخلايا الجذعية في الشفاء من مرض السكر، لكنهم وقفوا ضد هذا الاكتشاف، ثم تحول إلى علاج تحت الطاولة في بلاد خارج المنظومة الغربية.
من ناحية أخرى، يبدو أن علاجات الأمراض المزمنة مربحة للغاية؛ فقد يكلف العلاج لمدة شهر واحد بأدوية مرض السكري الجديدة، أو أجهزة الاستنشاق الخاصة بمرض الانسداد الرئوي المزمن، أو مخففات الدم، أكثر من 500 دولار؛ وهو ما يعني أكثر من 50000 دولار أمريكي على براءة اختراع فعالة لمدة عشر سنوات لكل واحد من عدد متزايد من المرضى المصابين بأمراض مزمنة.
فجأة أصبح الأمر واضحًا تمامًا: هناك إمكانية ربح لا حصر لها لشركات لا تعد ولا تحصى في وباء الأمراض المزمنة في العالم، ومن مصلحتهم أن الأشخاص المصابين بأمراض مزمنة يبقون مرضى قدر الإمكان دون أن يموتوا بسبب مرضهم؛ فلماذا تخاطر بأموال في البحث عن شفاء للأمراض، الذي ضد مبدأ التدفق المستمر للإيرادات؟
من أشهر الأمثلة أدوية الكولسترول، التي لها آثار جمة على الدماغ والقلب، ومع ذلك لا يتوقفون عن إصدار النشرات التي تنفي هذه العلاقة بالرغم من من ثبوتها من خلال الخبرات الطبية. كذلك لا يزال الجدل قائمًا حول نسب الكولسترول المقبولة مع تقدُّم العمر.
عندما تقوم شركات الأدوية بإنشاء دواء جديد فإنها تبحث دائمًا عن المركبات التي تعالج اضطرابات مربحة محددة، خاصة إذا كانت لديها القدرة على الحصول على حالة مثالية؛ فعمر البراءة 20 عامًا من تحديد الدواء، على أنه قابل للتطبيق في التجارب السريرية، وهذا يعني أنه لا يمكن لأي شخص آخر صنع أو بيع الدواء خلال تلك الفترة.
لهذا السبب تعد شركات الأدوية السوق لسنوات قبل الإطلاق الناجح بأقصى قدر من التأثير والأرباح. وبحلول الوقت الذي يتم فيه إطلاق الدواء يكون الأطباء على استعداد لكتابة وصفات طبية لهذا الدواء، ويستعد المرضى لطلب أطبائهم. ونظرًا لأنه عقار يحمل اسم علامة تجارية فإن السعر مرتفع، وسوف ترغب «فارما» في الحفاظ على نقطة السعر هذه من خلال حماية حصرية براءات الاختراع، وتوسيعها لأطول فترة ممكنة.
تحمي شركات الأدوية براءات اختراعها بعدد من الطرق. أحد الخيارات هو التفاوض مع مصنعي الأدوية العامة، مطالبين إياهم بعدم إصدار إصداراتهم الخاصة لفترة محددة من الوقت والمال. وطريقة أخرى هي تمديد براءة اختراع من خلال إيجاد مؤشر جديد لها؛ وبالتالي شراؤها دورة حياة أخرى، كدواء اسم العلامة التجارية التي تباع بسعر ممتاز كامل من أجل العثور على هذا المؤشر الجديد.
لهذه الأسباب ربما تطول فترات اكتشاف علاج شافٍ للسرطان على سبيل المثال، وقد نظل ندور حول أزمات الأمراض المزمنة من أجل أرباح مادية للشركات، ولا أستبعد وجود دواء فعال للإيدز أو لقاح مؤثر، لكن وجوده كحالة مزمنة يجعل منه مصدرًا دائمًا للأموال. ولكن يظل السؤال الأكثر جدلاً: كيف تتبدل هذه المعادلة؟ ومتى يتوقف الطبيب عن وظيفته الجديدة كمندوب مبيعات لشركات الأدوية؟ وكيف يعود الباحث إلى طبعه القديم على طريقة «وجدتُها» من أجل أن يستقيم دور العلم الحديث في خدمة الإنسانية؟