د. محمد عبدالله الخازم
الجامعات المتقدِّمة تعمل وفق منظومة متكاملة من البحث والتدريس وبناء المجتمع الأكاديمي وخدمة المجتمع المحلي والاستثمار وغير ذلك من المكونات. هناك توجه لأن تكون الدراسة العليا برسوم دراسية وهذا أمر لا خلاف عليه سواء في الدراسات العليا أو البكالوريوس، بل إن رؤيتي للدعم الحكومي للجامعات هي عبر تحويل أغلبه إلى منح دراسية. الدراسات العليا عبارة عن بحث علمي وفي أغلب الجامعات المتقدمة يستقطب الأساتذة اللذين لديهم مشاريع ومنح بحثية مزيداً من طلاب الدراسات العليا. أحياناً يعفى الطالب من الرسوم وأحياناً يدفع رسوم رمزية وأحياناً يتاح له العمل كباحث أو معلم مساعد، غير ما يقوم به من عمل خارج الجامعة. البرنامج الذي يعتمد على الرسوم الدراسية بكامله من قبل الطلاب أو دولهم يعتبر برنامجاً تجارياً وهذا ما نراه في بعض الجامعات التي يتكدس فيها الطلاب الأجانب أو غيرهم، لأنه برنامج أعضاءه غير قادرين على الحصول على منح بحثية تساعدهم في استقطاب الطلاب، ويفضّلون الأجانب لأنهم يدفعون رسوماً عالية. عموماً؛ هنا التحفظات على تحول كامل برامج الدراسات العليا إلى برامج برسوم دراسية يدفعها الدارس:
أولاً: كناحية إجرائية يفترض وضع نظام محاسبي واضح. مثلاً؛ رسوم مرحلة البحث تختلف مثلاً عن مرحلة المواد، فكيف تتساوى في الرسوم؟ الدراسات العليا ترتبط بالمنح البحثية فلا بد من آليات واضحة لإدارة برامج المنح البحثية وربطها باستقطاب طلاب الدراسات العليا الباحثين. ما زلت أرى تنظيم حسابات الجامعات السعودية المالية غير مواكب، ولا أدري ما هي الآلية التي من خلالها تحدد الرسوم الدراسية ...!
ثانياً: من الناحية الأخلاقية؛ يجب إتاحة الدراسة للجادين وغير القادرين على دفع الرسوم وإلا فنحن ندخل في تمييز طبقي مادي للمتعلمين والحاصلين على الشهادات العليا!
ثالثاً: أكاديمياً، يفترض أن لا يسمح لأي برنامج بتقديم الدراسات العليا عن طريق الرسوم الدراسية بشكل كامل. البرنامج الذي لا يتمكن أعضاؤه من الحصول على منح بحثية تدعم أبحاثهم وتمكنهم من التكفل بدراسة طلاب الدراسات العليا الباحثين، يستحق المراجعة، فذلك دليل عدم تميز أعضائه وعدم قدرتهم على جلب موارد تدعم البحث العلمي بالجامعة. لا نقفل الباب ضد الدراسة برسوم دراسية لكن عبر تقنين واضح، كأن يكون بنسبة محددة من طلاب كل برنامج، دون إعفاءات في شروط القبول..
نريد دعم موارد الجامعات لكن ليس عبر الرسوم الدراسية لكامل برامج الدراسات العليا، فلذلك عواقبه السلبية التي تقود إلى تدني البحث العلمي مستقبلاً. لدينا مثال، الجامعات الأهلية التي لا تقدِّم شيئاً يذكر في البحث العلمي، لأنها لا تعمل كمنظومة أكاديمية يتكامل فيها البحث مع التعليم.
الخلاصة؛ يجب الحذر، تطوير موارد الجامعات لا يعني تحويلها إلى تجارية هدفها المادة على حساب المحتوى. تحويل كامل الدراسات العليا لتكون برسوم دراسية لا يسهم في تحفيز أعضاء هيئة التدريس على البحث العلمي الجاد والمنافس، ووجهة نظري - وإن كانت قاسية - هي أن القسم/ البرنامج غير القادر على استقطاب منح بحثية جزء منها لتمويل دراسة طلاب الدراسات العليا، ليس مميزاً ويجب أن يُؤخذ ذلك في الاعتبار عند تقييمه واعتماده واستمراريته..