مشاعل القاضي
مفهوم الظل أو الـ (shadow) هو أحد عناصر الشخصية كما قسّمها عالم النفس السويسري كارل يونغ مؤسس علم النفس التحليلي وصاحب نظرية اللا وعي الجمعي.
في هذا الجزء من الشخصية يُرى أن لدى كل منّا جانبا خفيا لا نرغب بالنظر إليه أو احتوائه ويسمّى بالظل، وهناك حيث الظلام الدامس فإننا نلقي بكل أفكارنا ومشاعرنا التي نتمنى اختفاءها ونقوم بإنكارها حتى يتهيّأ لنا مع مرور الوقت بأننا قد تخلصنا منها. والحقيقة أن كل تلك الأفكار ما زالت تعيش في تلك المنطقة المظلمة، ولا يمكن لذواتنا أن تتعافى أو تكتمل حتى نعترف بذلك الجانب، فدفن الظل وكبت مخاوفنا وأفكارنا السيئة يستهلك من طاقتنا الكثير دون إدراكنا.
أُطلق على تلك المنطقة الكثير من المسميات فيما بعد كالشيطان الداخلي والطبيعة الحيوانية وغيرها. والسبب خلف هذه التسميات هو أن الجزء الأسوأ من شخصياتنا، رغباتنا المخجلة التي نتحاشى التفكير فيها، وأفكارنا غير المهذبة تبقى مقموعة ومكبوتة في الظل لأنها برأينا لا تمثّلنا وتتنافى تماماً مع صورتنا الذاتية المثالية.
يتطابق هذا المفهوم مع ما أسماه سيجموند فرويد بـ (الهوَ) وهو الجزء اللا واعي من شخصية الفرد والذي يحتوي على مخزن للرغبات والغرائز اللاواعية ويعمل وفق مبدأ اللذة ولا يراعي المنطق والأخلاق.
فيمكننا القول: إن منطقة الظل تحتوي على الصفات السوداوية التي ننكرها كالحسد، الغضب والعنف. على سبيل المثال شعورنا بالغيرة من نجاح أحد الأصدقاء والذي نخفيه لنظهر عوضاً عنه السعادة، مثل هذه المشاعر طبيعية جداً ولكننا نقمعها ونلقي بها في منطقة الظل لأننا نشعر بأنه من المعيب الاعتراف بها. لذلك نجد أن بعض الأشخاص يقومون بعملية الإسقاط واللوم على الآخرين وعلى الظروف ليتبرؤوا منها، كما أن بعضهم يسعى لانتقاد ذات الصفات في الآخرين والتركيز على عيوبهم بالرغم من وجودها لديهم في تلك المنطقة الخفيّة.
إذا ما أمعنّا النظر سوف نلاحظ مدى أهمية مثل هذه النظريات في حياتنا بشكل عام وفي تحليل الأحداث والتحولات الاجتماعية واستيعاب الحركات السياسية في العالم. مثل مفهوم الظل ونظرية اللاوعي الجمعي يساهمان بشكل كبير في تحليل حركة مجتمع معين بتقاليده ومعتقداته وسلوكياته، وقد فسّر الكثير من الباحثين سلوكيات وحوافز الفرد في المجتمعات استناداً إلى نظريات علم النفس الحديث واستخدامها كأدوات تحليلية.
** **
- باحثة في مجال التسويق والإعلام