عبدالوهاب الفايز
أجزم أن المهتمين بمتابعة التوجهات الإيجابية لرفع كفاءة الإنفاق العام أسعدهم موافقة مجلس الشورى، في جلسته الأخيرة، على القرار المطالب (بإلحاق هيئة المدن والمناطق الاقتصادية الخاصة بالهيئة الملكية للجبيل وينبع). هذا القرار تلمس قضيه جوهرية تتعلَّق بموضوع التنمية الإدارية في بلادنا.
هذا القرار أعادني للمقال المهم للدكتور يوسف السعدون، أحد أعضاء مجلس الشورى الحاليين، في هذه الجريدة (8 أغسطس 2019، بعنوان: الإدارة العامة بالمملكة ومسار التنمية الإدارية.. وقفة مراجعة) والذي تناول أهمية تطوير القطاع العام حسب ما تتطلع إليه (رؤية المملكة 2030)، فالرؤية الطموحة تحتاج جهاز حكومي فعَّال مبادر يتمتع بالكفاءة وبالفعالية.
هذا القرار يأتي في سياق العديد من القرارات المهمة التي وافق عليها المجلس في الجلسات الأخيرة، حيث قدَّم الأعضاء في المجلس مقترحات نوعية، وأيضاً مداخلات ناقده بإيجابية لأداء الحكومة، وهذا ما يريده ولي الأمر منهم، يريد أصوات وطنية خبيرة متمكنة تراقب وتقيم أداء المؤسسات الحكومة، وكل هذا يصب في الصالح العام، ويؤكد أهمية وحيوية دور مجلس الشورى.
التوجه إلى رفع كفاءة القطاع العام هدف تسعى إليه الحكومة منذ عقود بعيدة، والإصلاحات الإدارية والمالية تذكّرنا بالمشروع النوعي والجريء الذي تبنته الحكومة السعودية لمواصلة مشروع التنمية الإدارية للقطاع العام بالتعاون مع خبراء البنك الدولي والأمم المتحدة و(مؤسسة فورد) الأمريكية، وقدَّم هؤلاء توصيات لتنظيم الأجهزة الحكومية، تتضمن إنشاء (لجنة عليا للإصلاح الإداري) تراجع وتوافق على الإصلاح والتنظيم، ودعت إلى إنشاء معهد الإدارة العامة، وإنشاء الهيئة المركزية للتخطيط.
قرار مجلس الشورى يدعم توجه الحكومة الحالي لترشيد الإنفاق الحكومي ورفع كفاءة تنمية وتحصيل الإيرادات غير النفطية. مجلس الشورى يجدِّد دعوات سابقة للنظر والتقييم في جدوى الاستمرار في العديد من الهيئات، أي النظر إمكانية الدمج للهيئات والأجهزة التي يلتقي ويتقارب نطاق عملها ومجال اهتمامها. هذا يحقق ترشيد النفقات، واستثمار الموارد البشرية، وهذا يحقق التقارب والمواءمة مع مستهدفات (رؤية المملكة 2030).
ربما أفضل آلية عملية لتحقيق التكامل في أداء مؤسسات الدولة هو الاقتراح بإيجاد آلية تنفيذية جديدة، أي توسيع صلاحيات اللجنة العليا للإصلاح الإداري، عبر تحويل وزارة الاقتصاد والتخطيط إلى (وزارة للتنمية الإدارية)، خصوصاً مع قيام مجلس الاقتصاد والتنمية بعمليات التخطيط الإستراتيجي وإنشاء عدد من الأجهزة التابعة له التي تتولى مراقبة تنفيذ الخطط والمبادرات التي تحكم الأداء الاقتصادي والمالي.
هذه الوزارة المقترحة سوف تخدم استمرار التنمية الإدارية بآليات وبرامج جديدة تحتاجها حقبة التحول الكبيرة لاقتصادنا ومجتمعنا، وتضمن إيجاد الآليات التي تنمي قيادات المستقبل للقطاع العام بحيث لا نضطر إلى عملية الاستقطاب السريعة والمكلّفة للقيادات الحكومية.
وأيضًا تضمن إدخال التقنية التي تطور بيئة العمل، وتساعد على تنظيم وثائق الدولة ومحفوظاتها التي تهم الإدارة الحكومية، بالذات حفظ وأرشفة الدراسات والاستشارات، وتحويل وثائق الإدارة الحكومية إلى رقمية يسهل حفظها واسترجاعها. هذا يساعد القيادات الجديدة على الاطلاع على الخلفيات السابقة للقرارات، والظروف التي مرَّت بها وكيف تم التعامل معها، وهذا يثري تجارب القيادات الجديدة ويجعلها في سياق الأسس والثوابت التي بنيت عليها بلادنا. وأيضاً يساعد على تدوين التجارب الإدارية للقيادات التي عملت في القطاع العام.
أيضاً هذا الجهاز المتخصص بالتنمية الإدارية سوف يضمن تحقيق ما دعا إليه أعضاء مجلس الشورى مثل (مشروع نظام الاستشارات في المجالات الاقتصادية والمالية والإدارية، والمقدم من أعضاء المجلس الأمير الدكتور خالد آل سعود، ود. عبدالله المنيف ود. عبدالله الجغيمان والذي (يهدف إلى تنظيم الأعمال المتعلِّقة بتقديم الاستشارات في المجالات الاقتصادية والمالية والإدارية، بما يحقق معايير الجودة المهنية العالية وفق ضوابط هذا النظام، وبما يرتقي بممارسته ويحقق الصالح العام).
ثمة إيجابيات أخرى نحتاجها لهذه الوزارة، سوف نتطرق إليها لاحقاً.