عندما يمر بنا ظرف أو طارئ أو وقت عصيب نستذكر بعض «سوالف» كبار السن ذوي الخبرة الطويلة في الحياة والظروف الصعبة التي مروا بها واستطاع الكثير منهم تجازوها بأقل الخسائر -بعد توفيق الله- رغم قلة الإمكانيات.
وتعود بي الذاكرة لوالد الجميع والأب الحاني العم راشد بن عبدالله الأومير -رحمه الله رحمة واسعة - ووددت أن أوجز بعضاً من سيرته رغم معرفة الجميع به وبذكره الحسن بين الناس، فقد وُلد بالزلفي عام 1335هـ وعاش عمراً مديداً مليئاً بالتجارب والمواقف والجوائح كما هو حال أغلب جيل الصحراء السابقين -رحمهم الله- وعاصر جائحة الإنفلونزا الإسبانية التي قضت على حوالي 50 إلى 100 مليون إنسان في العالم بين عامي 1918 -1919م، وسنوات القحط والجوع والخوف في بلادنا إلى أن هيأ الله لنا الخير والأمن بعد توحيد البلاد على يد الملك المؤسس.
بدأ يشق طريقه في رعى إبل والده وأعماله، ثم اتجه للعمل الحكومي بإمارة المدينة المنورة ثم انتقل إلى تبوك عام 1363هـ ليستقر بها أميراً على قرية «العيينة» التابعة للمنطقة بعدها أحيل إلى التقاعد تاركاً سيرة مشرِّفة لمدة تزيد عن الأربعين عاماً في خدمة الوطن والمواطن وذكريات ذات زخم وافر من الخبرة والمصاعب والمتاعب التي لا تحصيها المجلدات.
أهدى أحد أبناء البادية بتبوك إلى الأمير خالد بن أحمد السديري (أمير تبوك وقتها) ناقة أصيلة «ذلول» فقال ابعثوا إلى راشد ليؤكد لنا أصلها أو نوعها وليركبها ليعطينا رأيه.. وكان كذلك فركبها وقتئذ وذهب عليها إلى «الطبيق» خلال اليوم.
كما قلت آنفاً لا نستطيع إحصاء المواقف والعبر وتعامله مع الآخرين والتي لا حصر لها لأصحاب العقول الراجحة أمثاله -رحمه الله- وأحببت أن أوجز بعض منها عرفاناً لهذا الجيل الذهبي الذي ترك بصمة رائعة في ذاكرتنا، راجين من إمارة المنطقة تكريم هؤلاء النخبة بوضع أسمائهم على شارع أو مرفق تخليداً وتكريماً لما قدَّموه للوطن، فرحمة الله عليهم أجمعين.
سألتُ الدار تخبرني عن الأحباب ما فعلوا
فقالت لي أناخ القوم أياماً وقد رحلوا
فقلت فأين أطلبهم، وأي منازل نزلوا؟
فقالت بالقبور وقد لقوا والله ما فعلوا.
** **
- أحمد عبدالعزيز الحميدي