ما بين محرري جريدتنا وعشقنا الصحفي الأول والأخير (الجزيرة) والزملاء الأفاضل في قسم التصحيح علاقة ود عظيمة وزمالة حميمة على مر الزمن، فالمصحح قبل أن يكون موظفا هو أستاذ وموجه ورجل علم وتربية فهو يصحح لنا يومياً وبدون كلل أو ملل أو سأم أو ضجر الأخطاء اللغوية والإملائية والآيات القرآنية ويبين لنا المحظور ويعدل لنا الجار والمجرور.!
لذلك كان المصحح محبوبا لدينا فئة المحررين والكتاب، فالخبر أو المقالة لا يصلكم معشر القراء والمتابعين إلا بعد أن يلمعوها ويرتبوها ويبهروها ويربطوها ببعضها البعض خاصة إذا كنا في أول المشوار وتنقصنا الخبرة والدراية وفن الصياغة والحوار.!
والتصحيح بالمناسبة مهنة حساسة وصعبة ومزعجة ومتعبة ومقلقة فهي تتطلب التركيز والمتابعة من أجل تنقيح المادة وتصفيتها ونشرها والمصحح هو الآخر له توقيع مهم على المادة والصفحة مثل أهمية توقيع رئيس التحرير أو من ينوب عنه والفرق بين التوقيعين فقط هو أن المصحح يتحمل المسؤولية كاملة فيما يفوته من أخطاء ويتعرض للإنذار واللوم والخصم والحسم وقد تصل للفصل في حالة التكرار، وبحسب حجم الخطأ والكارثة التي مرت عليه دون أن ينتبه لها حتى إن لم يكتبها ويرتكبها!!
وقد حبا الله جزيرتنا وجريدتنا المحبوبة مجموعة من الإخوة الأشقاء السودانيين ممن أبلوا بلاءً حسناً في البدايات الصعبة حيث دعموا المسيرة بحسن عمل وخلق وطيب سيرة وأصبحوا بدون شك جزءا من المنظومة الصحفية لهذه المؤسسة العملاقة الكبيرة صاحبة الصيت الإعلامي والحس المهني والتي أنجبت وصدرت الكثير من القيادات الصحفية التي ساهمت في عجلة تنمية الوطن المختلفة ومن عدة مواقع وبقيادة عرابها الكبير وأستاذنا الملهم خالد المالك متعه الله بالصحة والعافية وحفظه وأمد في عمره. الكلمات فيما سبق وتقدم هي مقدمة مجتهدة ومتواضعة وتمهيداً لتأبين زميل خلوق وعزيز في قسم التصحيح بجريدة الجزيرة المرحوم (محمد تومبي فرج الله) حيث توفي بسبب جائحة ووباء كورونا وهو من السودان الشقيق الحبيب، والذي تجمعنا بشعبه علاقة ود ومحبة منذ الأزل وأجزم أن (تومبي) -رحمه الله- ومن أمثاله كثيرون من سوداننا العزيز الذين هم سر محبتنا لهذا البلد وشعبه وسر أخوتنا لهم ووفائنا معهم!
كان (تومبي) -رحمه الله- حالة خاصة ونادرة من الخلق الرفيع والسلوك الحسن والتعامل المميز مع الجميع، كان يأسرك بأدبه وهو صامت ويبهرك بخلقه وهو يتحدث حتى لو كان حديثه قليلا وسكوته محيرا وطويلا!
هو الإنسان عندما تتحدث إليه وتسمع منه وهو الزميل الذي تنصت له وترد عليه لأن نصحه ورشده يسبقان ملاحظاته ورصده!
بين كل كلمة وأخرى يناديك يا أستاذ ليشعرك بزهو وفخر حتى لو كنت في بداياتك التلميذ وهو بدون شك الموجه والأستاذ الحقيقي.
كنت قد نسيته ونسيت كثيرين من زملاء أيامنا في الجزيرة بحكم تركي ومغادرتي مبكراً لها ولكن خبر نعيه ومفارقته لدنيانا وسط جملة من الأعزاء المودعين لنا هذه الأيام عليهم - رحمة الله ومغفرته - أثار فينا من جديد المشاعر وأعاد لنا جزءا من الذكريات بحلوها ومرها، فالعمل والتعامل الطيب يبقيان الإنسان في ذاكرة المحبة والإعجاب وعدم النسيان.
رحمه الله وأثابه على سيرته وفعله وأسكنه فسيح جناته وجعل ما أصابه كفارة وطهوراً إن شاء الله، ولا نقول في الختام إلاّ ما يرضي الله {إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ}، نافذ فينا حكمه قاضٍ فينا أمره، له ما أخذ وله ما أعطى وكل شيء عنده بحساب، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.