عندما يُغرقك أحدهم ببحر فضائله تقف كل خلية في جسدك عاجزةً عن سداد دين النُّبل والشهامة: فيعجز اللسان عن اجتباء أفضل الحروف من بحور الكَلِمِ للترجمة عن عمق شعور المِقة والإكبار اللذين غُرسا وتجذّرا، ويستعصي على جنان من لم يقلّبه الدهر نسيان الإحسان والفضل، ويأبى موج الأفكار المتلاطم أن يصدِف عن التفكير في وسيلة يجزي فيها صاحب المعروف والإحسان ذاك، يحوم ويحوم وقد يغرق في ظلمات بحر همّ رد الإحسان، ولكن الظلام مآله أن ينجلي لينبثق نور الهداية فيرشد القلب إلى الطريقة المثلى لرد الجميل ألا وهي الدعاء! إذْ لا شيء يمُاثل مفعول الدعاء في صرف نوازل الدهر عمّن أحسن إليك، وهذا كله في حق أي إنسان: عابرٍ جاوزته يومًا في طريق ما مترنّمًا بابتسامة آخّاذة فطرح عنك بها همومًا أعيت قلبك، أو شخصٍ حادثته ريثما كنت تنتظر الإعلان عن موعد إقلاع رحلتك في أحد المطارات فدلّك على مخرجٍ لمشكلة عويصة كنت تعاني منها دون أن يعلم، أو موظفٍ يسّر إجراء معاملة أبت إلا أن تشقيك من كثرة ترددك على الدوائر لإنهائها، ولكن كيف إن كان المحسن وطنًا معطاءً يجود ويبذل كل شيء، ولا يبتغي من أي مواطن شيئًا سوى اتباع إجراءات احترازية يسيرة، وما مقصده إلا ضمان سلامته، وسلامة الرعيّة؟
إن مبايعة ولي الأمر على السمع والطاعة في المنشط والمكره مما حضّ عليه الشارع الحكيم، يقول الله -سبحانه وتعالى- في محكم التنزيل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنكُمْ}. اصبروا وصابروا عباد الله واحتسبوا أجر الشهيد في بقائكم في منازلكم حتى يأتي الله بفرج من عنده. عَنْ عَائِشَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهَا- أنَّهَا سَأَلَتْ رَسولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ عَنِ الطَّاعُونِ، فأخْبَرَهَا نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: «أنَّه كانَ عَذَابًا يَبْعَثُهُ اللَّهُ علَى مَن يَشَاءُ، فَجَعَلَهُ اللَّهُ رَحْمَةً لِلْمُؤْمِنِينَ، فليسَ مِن عَبْدٍ يَقَعُ الطَّاعُونُ، فَيَمْكُثُ في بَلَدِهِ صَابِرًا، يَعْلَمُ أنَّه لَنْ يُصِيبَهُ إلَّا ما كَتَبَ اللَّهُ له، إلَّا كانَ له مِثْلُ أجْرِ الشَّهِيدِ» (رواه البخاري). فإن كان ولابد من الخروج: فاحرص على ارتداء الكمامة، وتطبيق التباعد الاجتماعي، وغسل اليدين جيدًا بالماء والصابون لمدة لا تقل عن أربعين ثانية، إذْ إن إهمال فعل ذلك سيعرّض -حتمًا- حياتك وحياة الكثيرين للخطر، ولا سيما أولئك الذين طعنوا في السن، والذين يعانون من أمراض مزمنة!
معاشر الشعب الأوفياء، لنكن يدًا واحدة ملتحمة مع الأيادي التي ما فتئت تسهر على حمانا: ديدنها المبايعة في العسر واليسر، ولسانها لاهجٍ بالاستغفار من كل خطيئة وذنب عسى الله أن يرفع عنا هذا الوباء، وقلبها هطّالٌ لا يفتر عن إسباغ كل بقعة في وطن الجود والخير، وكل من يفديه بروحه ودمه بالدعاء له قيامًا وقعودًا، ولا شيء سواه مجزٍ وكافٍ!