م. بدر بن ناصر الحمدان
في رحلة الحياة، لا شيء يعادل تأثير المعلم والمعلمة في حياة الفرد وبناء منظومة مبادئه وإدراكه وسلوكه وأخلاقياته، وربما تتجاوز في كثير من الأحيان تأثير الأسرة ذاتها، بل إن مكونات الشخصية الأولى للإنسان تُبنى في أروقة المدرسة، ذلك المكان المقيّد بنظام تعليمي وتربوي، هو الأكثر ملاءمة لتشكيل معادلة التوازن والقياس كمساحة تتحكّم في مجال هذا الفرد وتمنحه القدرة على اكتشاف قدراته ومهاراته ومواهبه التي تمكنه من الانطلاق إلى فضاءات المعرفة والعيش المشترك مع الآخرين.
من تجربة شخصية، أجدني مديناً لكل أولئك الذين تتلمذت على يديهم، في كل مراحل عمري الدراسية النظامية بلا استثناء، أحمل لهم جميل ما بذلوا معي من جهد وتعب وعناء طوال تلك المسيرة التعليمية، ما زالت الذاكرة حُبلى بكل تلك الأوقات الجميلة التي قضيتها معهم، لقد أثروا كثيراً في حياتي منذ كنت صغيراً وحتى اليوم، وغرسوا بداخلي الكثير من المبادئ، وشجعوني على أن أتعلّم كيف أثق بنفسي، وأطوّر أفكاري، كانوا محفزاً كبيراً لكي أكون أكثر شجاعة في كل خطوة أقدم عليها، ما قاموا به طوال السنوات التي مضت كان عملاً رائعاً وعظيماً.
أحد أكثر المواقف تأثيراً، كان في الفصل الأخير من المرحلة الثانوية، حيث اضْطَرَرْتُ حينها لدخول بعض الاختبارات النهائية -التي كانت تأتي من الوزارة آنذاك- دون مراجعة، لظرف صحي طارئ، وبالاعتماد فقط على ما تعلّمته أثناء الفصل الدراسي، لن أنسى ما حييت ذلك التعاطف الكبير من لدن بعض مُعلميّ الذين كانوا على دراية بوضعي، وساندوني «معنوياً» طوال تلك الأيام، أبداً لن يغيب عن ذاكرتي مشهد ترقبهم وانتظارهم لي خارج القاعة بعد كل فترة اختبار، للاطمئنان على أدائي في الإجابة عن الأسئلة، ما زلت أتذكر جيداً احتواءهم لي، ونظراتهم الغارقة بالاهتمام وأنا أتحدث إليهم عن خوفي وقلقي من الاختبار وكأني أحد أبنائهم، ونهاية بفرحتهم العارمة بعد ظهور النتيجة، لقد كان موقفاً إنسانياً لا يمكن لي وصفه على الإطلاق، هي مشاعر أبوية أكبر من أن تُوصف أو تروى، مهما مرت الأيام سيظل ما حدث جزء ثابت في رحلتي مع هذه الحياة، استذكره وفاء لأولئك الذين لا يمكن نسيان ما قدموه من أجلي.
المعلمون والمعلمات، فئة «استثنائية» لا يجب مقارنتهم مع أية فئة أخرى، لا سبيل أن نضعهم في حقل منافسة مع الآخرين مهما كانت المبررات، هذا أمر لا جدال فيه، هؤلاء يضطلعون بمسؤولية «بناء حياة»، ولا شيء يماثل مُهمتهم، هم الأكثر تأثيراً على هذه الأرض، ومن العدالة أن يكونوا «أولاً» وفي كل شيء، ومن الإنصاف أن يمنحوا الريادة والتمكين في كل ما يساعدهم لخوض غمار التربية والتعليم، ما يقومون به شيء لا يقدَّر بثمن.
أساتذتي،،
كان التعلّم على يديكم شرف كبير بالنسبة لي..