عمرو أبوالعطا
السعادة شعورٌ غامرٌ بالفرح والسرور، وهي كمية كبيرة من الطاقة الإيجابية التي تُشعل فتيل الفرح في القلب وتجعله يرى الدنيا بمنظورٍ أجمل، لهذا يبحث عنها الجميع، وعلى الرغم من هذا فإنه لا يوجد تعريف واحد للسعادة، فالسعادة شيءٌ نسبي يختلف تعريفه من شخصٍ إلى آخر، فالبعض يرى السعادة في تحقيق المناصب، والبعض يراها في جمع الأموال، والبعض يرى السعادة في السفر أو في الزواج وإنجاب الأبناء، لهذا يوجد كلمات كثيرة بمعانٍ مختلفة تصف السعادة، يقول أينشتاين: لو أردت أن تكون سعيدًا، قم بربطها بهدف وليس بشخص أو بشيء، وفي قول روبرت هينلين: الحب هو الحالة التي تصبح فيها سعادة شخص آخر مهمة من أجل سعادتك، أما فردريك كيونغ فيقول: لقد نسينا بأن السعادة ليست الحصول على ما لا نملك بل هي أن نفهم وندرك قيمة ما نملك.
كلنا يعيش معنى ارتكازيًا للسعادة، وشعورًا لاهبًا بالحاجة إليها، وهي تضع من نفس كل إنسان موقع الأمنية الأولى والأكثر قيمة والأعز شأنًا: لأنها الغاية من كل ما يتمناه ويطمح إليه وما انشداده إلى أهدافه التفصيلية إلا من منطلق تصديقه بأدائها إلى سعادته. ومن وجد ما كان له أن يخطئها، كيف وهي تملأ عليه وجدانه وتفعم شعوره وتمور بها نفسه وجودًا قائمًا حاضرًا عنده في الذات؟! وقد خلق الله تبارك وتعالى الناس للسعادة لا للشقاء، وللهناء لا للعذاب، للرحمة والسعادة، والهناء والنجاح كان خلق من مضى ويأتي من الناس، وهم منشدون من أعماقهم إلى هذا الهدف الفطري الذي قد يصيبون حقيقته الكبرى، وقد لا يصيبونه، وقد لا يتخذون ما هو لهم سبيلاً وأن خادعهم الرأي الكاذب، والشعور المنحرف بأنه كذلك.
البشر عامة هم كائنات عاطفية، فهم يختبرون مجموعة واسعة من المشاعر كل يوم، فالمشاعر السلبية - مثل الخوف والغضب - تساعد على الابتعاد عن الخطر أو الدفاع عن النفس، أما العواطف الإيجابية - مثل المتعة والأمل - فهي تساعد على التواصل مع الآخرين وتعطي الإنسان القدرة على الاستمرار عندما تسوء الأمور، ولكن السعي وراء حياة سعيدة لا يكون عن طريق إنكار المشاعر السلبية أو التظاهر بالشعور بالبهجة طوال الوقت، فمن الطبيعي تمامًا أن يشعر أي شخص بالغضب والحزن والإحباط وغيرها من المشاعر السلبية، فالجميع يواجه المحن في حياته، وإن أي محاولة لإخفاء هذه المشاعر سيكون بمنزلة إنكار لجزء من الطبيعة الإنسانية.
يمكنك أن تختار السعادة، من خلال أن ترغب بصدق في أن تكون سعيدًا، هناك أناس ممن أصيبوا بالاكتئاب وضعف العزيمة لفترة طويلة، ثم فجأة شعروا بالسعادة عندما سمعوا أخبارًا سعيدة، قد تجدهم يتصرفون بطريقة غريبة، لأنهم اعتادوا على الحزن والكآبة لدرجة أنهم لا يشعرون بالسعادة وكأنها أمر طبيعي، إنهم يتوقون إلى حالة العزلة والاكتئاب. الكثير من الناس يختارون الحزن دون وعي منهم بذلك وهم يفعلون ذلك بتبني مثل هذه الأفكار، أنا لن أنجح، كل شيء سيكون سيئًا.
السعادة ليست في المظاهر والشكليات، وإنما هي كامنة في نفس كل إِنسان، يشعر بها بكل قلبهِ ووجدانهِ وتجعلهُ يفرح ويسعد بالأشياء القليلة والبسيطة من حولهِ، هذا إذا كانت روحهُ قنوعة وتُقدر الإنسان من خلال جوهره وليس مظهره، فقيمة الإنسان ليست بما يمتلكهُ.
السعادة لم تتعود الاستئذان لتدخل حياتنا وقلوبنا فهي موجودة فينا وحولنا، فلنبحث عنها أو لنصنعها بأنفسنا ونحن قادرون على ذلك قبل فوات الأوان وانشغالنا بأمور لا تجدي لحياتنا نفعًا، وما أجمل أن نشعر بالسعادة ونسعْد من حولنا. فالسعادة هي مطلب وأمنية كل إنسان في هذا الوجود، وأعظم سعادة هي السعادة الروحية النابعّة من أعماق النفس، وسعادة تجدها عندما تؤدي خدمة لإنسان من كل قلبك، وفي كل ابتسامة على شفتي طفل بريء يبتسم من أعماقهِ ابتسامة صافية للحياة التي ليس لها هدف غير الحياة نفسها.