عبدالعزيز مهدي العبار
ثروة الشباب لا تُقدَّر بثمن، والأوطان تقوم على سواعد رجالها ونسائها، والوطن بحاجة إلى أبنائه، وخصوصًا مَن يرافقون المبتعثين والموفدين في الخارج، الذين تشربوا ثقافة ولغة البلد، ودرسوا في المدارس العامة، وحصّلوا المعارف، وأصبحوا خير سفراء لبلدهم (المملكة العربية السعودية)، وأسهموا في تحسين الصورة النمطية بين زملائهم؛ فهم الثروة الحقيقية التي وصفها سمو ولي العهد صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بأنهم «الطاقة والقوة الحقيقية في تحقيق رؤية 2030، وهمتهم كجبل طويق». فيجب أن يكون لهذه الفئة المهمة وضع خاص من ناحية الاحتواء والدمج، وتخصيص برامج ابتعاث متنوعة لهم.
حدثني أحد المستفيدين من برامج الابتعاث بأنه بعد أن أنهى درجة الدكتوراه، وأقفل ملفه وعاد، واجه مشكلة في دمج أبنائه في المدارس العامة بعد العودة للمملكة؛ وأثر ذلك على تحصيلهم العلمي لاختلاف اللغة والمناهج؛ فلم يستطع تسجيلهم في المدارس الأجنبية؛ فكان يتحدث بحرقة وهو يحاول أن يصف مستقبل أبنائه في ظل ظروف عديدة، منها حاجز اللغة العربية؛ إذ كانوا منذ نعومة أظافرهم مع والديهم المبتعثين أو الموفدين وهم في الخارج، ولم يعرفوا سوى الإنجليزية أو لغة الدولة التي يوجَدون فيها. أما الموفدون فهم متنقلون من بلد إلى بلد آخر. وهذه مشكلة أخرى. وحين ينتهي الإيفاد أو البعثة يضطر الأبناء إلى العودة معهم مباشرة.
الفئة التي ستتضرر هي التي في أواخر سنوات الثانوية العامة (الأول والثاني الثانوي)، أو من هم حاليًا في الثالث ثانوي؛ إذ لا يلحق أبناء المبتعثين والموفدين بالبعثة إلا بعد الانتهاء من الثانوية العامة، وأن يكون والده على رأس العمل، أو تتبقى 6 أشهر على انتهاء البعثة للمبتعث الأساسي. وهذا لن يشمل الخريجين الجدد، ولا الحاليين في السنوات الأخيرة في المرحلة الثانوية.
أما بالنسبة للصفوف الأولية فيمكن دمجهم مع الوقت، ولكن الكبار سوف يواجهون عقبات كثيرة، وسوف يتأخرون، وقد تضيع من أعمارهم سنوات دون فائدة، أو التخرج من الثانوية العامة في المملكة بمعدلات ليست جيدة؛ وهو ما سينعكس سلبًا على إكمال تعليمهم الجامعي. وبطبيعة الحال ليس في أيديهم أي حل سابق كالدراسة عبر الإنترنت، أو المدارس السعودية أو العربية في الخارج التي توجَد بالقرب من السفارات العربية؛ إذ إن أغلب المبتعثين ليسوا في العاصمة، وتنصح الملحقيات في أمريكا وأوروبا بتسجيل الأبناء في مدارس حكومية؛ إذ لا تدفع الملحقيات رسومًا دراسية؛ لأن ذلك سوف يكون بالمجان.
لذلك، وحتى لا تضيع وتهدر هذه الثروة، يجب أن يُحصر ويُعرف كم عدد الأبناء من الجنسين، ويكون لهم وضع خاص من ناحية القبول والتسجيل في الجامعات أو برامج الابتعاث المتنوعة؛ فأغلبهم يملك مهارات عديدة، وصقلت مواهبهم المدارس الأجنبية في الخارج، ولديهم معرفة ممتازة جدًّا عن تاريخ البلد وثقافته وقوانينه، وهم ثروة حقيقية، يحتاج إليها الوطن؛ إذ إنهم أقل كلفة من غيرهم، ولديهم الخبرة الكافية للتعايش مع المجتمعات الأخرى، ونقل ثقافة المجتمع السعودي بشكل يليق بمكانة المملكة وشعبها.
رسالة الأب والأم للمسؤول هي أن تُتاح لأبنائهم الفرصة والتمكين لإكمال تعليمهم، سواء في الداخل أو الخارج، واحتواؤهم بعد العودة والتكفل برسوم المدارس الإنترناشونال، أو التعاقد مع بعضها، ومنح الطلبة العائدين مقاعد مجانية، وابتعاثهم بعد التخرج مباشرة حتى لا يصابوا بصدمة التغيير، واختلاف بيئة التعليم، ويخسروا كل ما تعلموه. ولأنهم ثروة حقيقية، ويحتاج إليها البلد للاستفادة منهم لخدمة الدين ثم المليك والوطن، ويقدر عدد المرافقين في أمريكا وحدها بنحو 18500 مرافق، فاستحداث مسار خاص بهم أصبح مطلبًا مُلحًّا، وضرورة، وسوف يصبح لدينا الآلاف من أمثال المهندسة مشاعل الشميمري التي عاشت جُل عمرها في أمريكا، إذا أُعطيت الفرصة لهذه الفئة من المجتمع.