د.عبدالعزيز الجار الله
كورونا العالمية أحدثت أو أوجدت أنماطًا جديدة:
في التعامل والسلوك بين المجتمعات، وأنشأت ثقافة التعامل عن بعد بين الناس، والتعامل الإلكتروني، وتقديم الخدمات عن بعد، والتبادل التجاري والسلع عن بعد. فقد تتوقف جائحة كورونا بأي شكل من أشكال العلاج توفر اللقاح، أو توفر الدواء الناجع أو حتى من خلال أسلوب نظرية القطيع تنتشر كورونا بين الناس، ثم تتوالد المناعة الذاتية، لكن بالمقابل تستمر أعمالنا عن بعد والتي مارسها ونفذها العالم منذ يناير 2020م ونحن الآن على أبواب الشهر الثامن، وقد تستمر لأكثر من سنة قادمة.
ما يهم الآن أن العالم أجمع مارس ثقافة سلوكية جديدة لم يكن في السابق مضطرًا عليها، وهي سلوكيات استحدثت مع كورونا كواجب احترازي تحول إلى سلوك عام ممارس ومقبول، أبسط حالاته المصافحة باليد والعناق الجسدي بين الأهل والأصدقاء والزملاء، والتي درجنا عليها سلام الغياب والمحبة وصباح المعايدات السنوية في البيوت، وبين زملاء العمل، بلغة أحمد شوقي في قصيدته المشهورة يا جارة الوادي:
وتعطلت لغة الكلام وخاطبت
عيني بلغة الهوى عيناك
لتكون لغة التعارف والتلاقي عبر ما يسميه البعض سلام نظر (شوف) أو باللغة الرياضية باص عيون، وهي أيضًا لغة العشاق كما قال الشاعر من التراث العربي:
دع عنك ذا السيف الذي جردته
عيناك أمضى من مضارب حده
كل السيوف قواطع إن جردت
وحسام لحظك قاطع في غمده
ويكون واقعًا اجتماعيًا ليس في تبادل السلام وإنما القفز مباشرة للواجب المهم، أي الدخول في الموضوع دون مقدمات السلام الطويل والممل على حساب الإنجازات، وأيضًا إختصار الحور من أجل تحقيق الغايات، والانتقال من خط إنتاج إلى آخر بشكل سريع ورشيق في التعاملات اليومية وتتحول حياتنا إلى لغة أرقام، أما رقم الهوية الوطنية أو الإقامة أو رقم الجوال أو حتى رقمك السري في الإيميل فمحمي برقم التحقق في الجوال.
سوف تختفي من حياتنا ممارسات وسلوكيات في التعاملات اليومية التجارية والاقتصادية والمشتريات والسلوكية لنستحضر واقعًا يختلف عن الإنماط السبقة الملبدة بزوائد سلوكية وإجراءات طويلة في خط إنتاجي بيروقراطي ينهك كل الأطراف.