سلمان بن محمد العُمري
أعمال البر والخير والمعروف متعددة ولله الحمد لا تقف عند إطار أو حدود زمان ولا مكان وليس لها جنس أو نوع محدد، ولكن أفضل الأعمال ما كان دائماً غير منقطع ولو قل، وكذلك ما تعدى النفع وتعدد المستنفعين منه، والموفق من وفقه الله لعمل الخير وبذل المعروف قَالَ الله تعالى: {وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُون}، ومن مناحي الفضل والخير (القرض الحسن) الذي يقدم من صاحب المال لمن يحتاج إليه لوجه الله تعالى تيسيراً على المقترض وإعانة له على قضاء حوائجه وفيه أجور عظيمة أولها، أنها تدخل فيما أمر الله به المسلمين من التعاون على البر والتقوى، وفيها أيضاً تفريج الكربات، ومما جاء في ذلك ما جاء في صَحيحِ مُسلمٍ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "مَن نفَّسَ عن مُؤمنٍ كُربةً مِن كُرَبِ الدُّنيا، نفَّسَ اللهُ عنه كُربةً مِن كُربِ يومِ القِيامةِ، ومَن يسَّرَ على مُعسِرٍ، يَسَّرَ اللهُ عليه في الدُّنيا والآخِرةِ، ومَن ستَرَ مُسلمًا، ستَرَه اللهُ في الدُّنيا والآخرةِ، الحديثَ"، وفيها أيضاً سبيل للتراحم بين المسلمين، ومن فضائله أيضاً الاستغناء بالحلال عن الحرام (القروض الربوية)، ويزداد فضل القرض وأجره حينما يكون القرض لقريب وذي رحم فإنها كسبت أجر القرض وأجر البر بالرحم.
وفي كل ما سبق وغيرها خيرات عظيمة، فالحمد لله على فضله وكرمه، ومن أقرض أخاه مبلغاً من المال واتفق معه على أن يرد القيمة بعد مدة معينة، فإنه منذ تسلّم المبلغ حتى انتهاء المدة كأنه يتصدّق بالمبلغ المقرض، وإذا انتهت المدة الأولى وصبر مثلها أو جزء منها وأمهل المدين المقترض وفرج عنه، فكأنه تصدّق بكامل المبلغ فضلاً عن الأجر اليومي لكل يوم يمر عليه في أيام المهلة، ويعضد هذا ما رواه بُرَيْدَةَ رضي الله عنه قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (مَنْ أَنْظَرَ مُعْسِرًا فَلَهُ بِكُلِّ يَوْمٍ مِثْلِهِ صَدَقَةٌ)، قَالَ: ثُمَّ سَمِعْتُهُ يَقُولُ: (مَنْ أَنْظَرَ مُعْسِرًا فَلَهُ بِكُلِّ يَوْمٍ مِثْلَيْهِ صَدَقَةٌ )، قُلْتُ: سَمِعْتُكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ تَقُولُ مَنْ أَنْظَرَ مُعْسِرًا فَلَهُ بِكُلِّ يَوْمٍ مِثْلِهِ صَدَقَةٌ، ثُمَّ سَمِعْتُكَ تَقُولُ مَنْ أَنْظَرَ مُعْسِرًا فَلَهُ بِكُلِّ يَوْمٍ مِثْلَيْهِ صَدَقَةٌ؟ قَالَ: (لَهُ بِكُلِّ يَوْمٍ صَدَقَةٌ قَبْلَ أَنْ يَحِلَّ الدَّيْنُ، فَإِذَا حَلَّ الدَّيْنُ فَأَنْظَرَهُ فَلَهُ بِكُلِّ يَوْمٍ مِثْلَيْهِ صَدَقَةٌ). رواه أحمد، وصححه الألباني في صحيح الجامع.
فما أجمل الفضل والتراحم والتعاون بين الناس وما أعظمها من أجور وكم فيها من الخير والبركات الدينية والدنيوية.
وهناك من المحسنين ممن أنعم الله عليهم قد فطنوا لهذا الأجر العظيم من هذا الباب (القرض الحسن) فخصصوا أوقاف لهم للقرض الحسن متمثلة في الراغبين بالزواج لأول مرة، أو قرض حسن لشراء منزل، أو سيارة وغير ذلك، فأصبحت لهم كالصدقات الجارية، وقد فعله الصحابة من قبل، قال أبو الدرداء -رضي الله عنه- "لأن أقرضَ مسلماً دينارين ثم يردان ثم أقرضهما أحبُّ إليّ من أتصدق بهما"، ولو شاع هذا المعروف بين الموسرين والصناديق العائلية والجمعيات الخيرية ورتب بشكل جيد ومنظم فسيسهم في وقف حبائل المستغلين الذين يستغلون حاجة الناس، فيقرضونهم بالفوائد ويضعون الطابق مطبوق، وتجتمع الخسائر الدنيوية والأخروية.
وإذا كان هناك أناس نذروا أنفسهم وأموالهم لخدمة الناس وقضاء حوائجهم فهناك من يتحايل على الناس لا يخدمهم بل ليمتصهم ويزيد من تضييق الخناق عليهم ولوي أعناق الناس وإثقال كاهلهم، باستغلالهم وأخذ مبالغ تفوق استحقاقهم.
وإذا كنا نحث على القرض الحسن وتفريج الكربات، فلا يعني أنه أمر مغفول عنه ولكن من باب التذكير، ولكن ثمة أمر يجعل الناس تصد عن هذا المعروف ولا تلج مع هذا الباب، والسبب في تلاعب بعض المقترضين وإهمال الآخرين والتسويف والمماطلة، وهناك من آثر غيره بمال عنده وحرم نفسه من إدخار واستثمار وبقي سنين طوال ينتظر رد القرض من المقترض الذي سوف به، والمشكلة أن القرض الحسن أشكل عليه بعض الناس وتسببوا في قطع المعروف، وأذكر أن أحد المحسنين يقول توقفت عن الإقراض بسبب مشكلات السداد، وإذا ما جاء إلي أحد يطلب سلفة أعطيته جزءاً من المطلوب وقلت له هذه هبة، كي استريح مستقبلاً من المطالبات والمطاردات وضياع الأمانة وأكل الحقوق، وهؤلاء أفسدوا على أنفسهم وأفسدوا على غيرهم فأما الإفساد على النفس، فعن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: نفس المؤمن معلقة بدينه حتى يقضى عنه، ولعظم الدين أيضاً وروى الشيخان عن أبي هريرة -رضي الله عنه- "أنّه صلى الله عليه وسلم كان يُؤتى بالرجل المُتوفى عليه الدين، فيسأل: هل ترك لدينه من قضاء؟ فإن حُدِّثَ أنّه ترك وفاءً صلى عليه، وإلاّ قال: صلوا على صاحبكم"، ومن استدان وكان في نيته السداد والوفاء سدد الله عنه وأعانه، ومن كان خلاف ذلك فسيعامله الله بما نوى فعن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من أخذ أموال الناس يريد أداءها أدى الله عنه، ومن أخذها يريد إتلافها أتلفه الله.
فهنيئاً للمتصدقين وهنيئاً للمقرضين بالأجر العظيم وهنيئاً للأتقياء الأوفياء الذين يؤدون الأمانات إلى أهلها ويقابلون المعروف بالمعروف والشكر وعدم المماطلة، والويل كل الويل لمن أكل أموال الناس بالباطل والتحايل والتخاذل.