يوجد عدة آراء حول كيفية تكون مملكة كندة، وتوجد أسباب عدة لوجود تلك الآراء؛ ولعل منها: 1- الانقطاع الزمني، 2- عدم وجود تاريخ مدون، 3- الاعتماد على الروايات المتعددة التي أوجدتها ظروف مختلفة تقف خلفها أهداف متنوعة. ويصعب أن ترجح رأياً على آخر لأنه: 1- جميعها آراء تقوم على أدلة مروية، 2- لا يوجد رأي واحد مدعوم بنتائج اكتشافات ميدانية كافية لترجيحه على البقية.
الرأي الأول: يرى أنها قبيلة عدنانية النسب استدلالاً بما ذكره الهمداني في كتابه «الصفة»، وأنها كانت مقيمة في موطنها الأول غمر ذي كنده الواقع إلى الشرق من مكة المكرمة على مسيرة يومين. ومن هذا استُدل على أنها في بداية عهدها كانت تقيم في ذلك المكان وأنها عدنانية في نسبها. وفي تلك الناحية يوجد وادي يُعرف باسم وادي كنده إلى اليوم، وعلى حافتيه توجد آثار معمارية لم تبحث بعد تدل على وجود استيطان دائم في سالف الأزمان.
الرأي الثاني: يرى أنها قبيلة قحطانية كانت تقيم في حضرموت، فحدثت لها حروب مهلكة مع قبائل حضرموت قادت إلى فناء خلق كثير، فكرهت كندة الحرب، وقررت الرحيل شمالاً إلى أن وقف بها الحال في وسط الجزيرة العربية، فأسست لها مملكة بجهودها الحربية الذاتية.
الرأي الثالث: يرى أن كندة كانت من العناصر القبلية المهمة المؤثرة في سير الأحداث في جنوب الجزيرة العربية، وأن حجر آكل المرار كان أخاً لملك حمير حسان تبع من أمه، فأراد ذلك الملك أن يقوي قبضته على الطرق التجارية عبر الجزيرة العربية فجاء إلى الوسط محارباً؛ وعندما حل في الوسط وأخضع قبائله نصب عليهم حجراً آكل المرار ملكاً، ثم واصل حربه ناحية الشمال إلى أن وصل إلى بلاد الرافدين ثم عاد إلى قاعدة ملكه في الجنوب.
الرأي الرابع: يرى أن كندة كانت قبيلة تعيش في وسط شبه الجزيرة العربية، ونتيجة لحروب مدوّية بين قبائل وسط الجزيرة العربية الرئيسة مثل: تغلب وبكر، وتميم، وحنيفة، اتفقوا على أن يُوقفوا الحروب وينصبوا عليهم ملكاً من خارجهم، فوقع الاختيار على حجر آكل المرار الكندي فنصبوه ملكاً، وبدهائه وشجاعته وصبره استطاع أن يحكم قبضته على الأمور وأن يحارب قبائل الشمال الشرقي والشمال ويخضعهم مثل إياد وطيء وعبدالقيس.
الرأي الخامس: يرى أن قبيلتي طسم وجديس المسيطرتين على وسط الجزيرة العربية خلال القرن الرابع الميلادي، احتربتا بسبب طغيان ملك طسم (عمليق)، نظراً إلى اشتراطه ألا تزف عروساً إلى بعلها إلا بعد أن يفترعها، أي يدخل بها، هو أولاً. وجدت جديس في ذلك مهانة خاصة بعد أن اختلا بأخت أحد زعمائهم، فهيجت القوم، فعملوا له كميناً من خلال إعداد ضيافة ودفنوا السيوف تحت الرمل فعندما حضر القوم جرد الجديسيون السيوف وجزروا الرقاب، فنجا واحد من المدعوين وفر إلى الجنوب واستنصر بملك حمير حسان تبع؛ فكون الملك جيشاً وغزا به اليمامة، فأجهز على جديس، ولكنه لم يكتف بل ألحق بها طسماً المستنجدة به. وبعد هدوء الأمور، وطّن كندة في وسط الجزيرة، ونصب أخيه لأمه حجراً آكل المرار الكندي ملكاً على وسط الجزيرة.
الرأي السادس: يرى أن كندة أحد قبائل وسط الجزيرة كان شيخها حجر بن عمر آكل المرار الكندي، وبمواهبه المتعددة؛ كالشجاعة، والدهاء، والحكمة، والتأني؛ استطاع أن يتزعم وأن يعقد حلفاً بين قبيلتي بكر وتغلب عرف باسم حلف الذنائب نسبة إلى المكان الذي عُقد فيه الحلف وحدده المؤرخ عبدالله بن خميس في موضع ما في عالية نجد. وبهذا الحلف أصبح حجر ملكاً على كندة وربيعة بجذميها بكر وتغلب.
الرأي السابع: يرى أن كندة كانت في أول عهدها في شرقي الجزيرة العربية استدلالاً بوجود حصنها المشهور باسم «المشقر» في تلك الناحية، ومنها هاجرت إلى وسط الجزيرة العربية وأسست دولتها.
جميع الآراء المذكورة أعلاه، قابلة للنقاش، إلا أنها قد تسقط جميعاً، إذا أخذنا برواية الأصفهاني في كتابه «سني ملوك الأرض والأنبياء» والذي خص فيه كندة بفصل قصير اشتمل على ذكر خمسة ملوك سبقوا حجراً آكل المرار الذي تَعُده أغلب الروايات التاريخية مؤسس دولة كندة في وسط شبه الجزيرة العربية.
** **
- أ.د.عبدالعزيز بن سعود الغزي