أوضحنا في مقال سابق عدم صحة الادعاء بأن حكومة فايز السراج تحظى بشرعية دولية فضلاً عن أنه ليس لها شرعية محلية، مستندين في ذلك إلى أحكام الاتفاق السياسي الليبي الموقَّع في الصخيرات بالمغرب بتاريخ 17 ديسمبر 2015، وقرار مجلس الأمن الدولي (2259) وتاريخ 23 ديسمبر 2015 بشأن تأييد الاتفاق المذكور.
ونستكمل الحديث حول انعدام شرعية حكومة السراج بالإشارة إلى مسألة انقضاء مدة ولاية هذه الحكومة، حيث يرى الطرف الرافض لوجودها أن هذه الحكومة قد انتهت مدة ولايتها المحددة في اتفاق الصخيرات، وأن ذلك من أسباب انتفاء شرعيتها.
وهنا لنا وقفة للتعليق فنقول يمكن تناول هذه المسألة من اتجاهين وذلك على النحو التالي:
أولاً: الاتجاه الأول يبدأ بالإشارة إلى أن اتفاق الصخيرات حدّد مدة ولاية حكومة الوفاق الوطني بعام واحد يبدأ من تاريخ نيلها ثقة مجلس النواب وأنه في حال عدم الانتهاء من إصدار الدستور خلال ولايتها يتم تجديد تلك الولاية تلقائياً لعام إضافي فقط. وترتيباً على ما تقدم وحيث إن مجلس النواب الليبي رفض منح هذه الحكومة الثقة فإنه ليس لهذه الحكومة أي شرعية، وتبعاً فإن ممارستها أعمال الحكم في المنطقة التي تحت سيطرتها يعد اغتصاباً للسلطة، وبالتالي لا معنى للحديث عن انقضاء مدة ولايتها لأن احتساب المدة القانونية لولاية أي حكومة لا يتأتى إلا إذا كانت هذه الحكومة حائزة على الشرعية. وحكومة السراج - كما سلف القول - ليس لها شرعية وبالتالي لا ولاية لها البتة.
ثانياً: الاتجاه الثاني يفترض أن حكومة السراج اكتسبت الشرعية الدولية بموجب قرار مجلس الأمن، المشار إليه آنفاً، وتعامل العديد من الدول معها على هذا الأساس، وأن ذلك يغنيها عن فقدانها الشرعية الدستورية المحلية، ففي هذا الافتراض - وهو افتراض جدلي غير صحيح - فإن مدة ولاية هذه الحكومة يبدأ في هذه الحالة من تاريخ صدور قرار مجلس الأمن وهو 23 ديسمبر 2015، وبالتالي فإن مدة ولايتها التي حددها اتفاق الصخيرات المؤيّد بقرار مجلس الأمن قد انقضت بتاريخ 23 ديسمبر 2017م.
إذا اتخذنا سبيلنا في الاتجاه الأول سرباً، وهو عدم وجود ولاية لحكومة السراج لانعدام شرعيتها فإن جميع تصرفاتها باطلة بما في ذلك جميع العقود والاتفاقيات التي أبرمتها مع أي دولة أخرى مثل الاتفاقيات التي أبرمتها مع تركيا سواء المتعلقة بالتعاون العسكري والأمني أو المتعلّقة بتحديد الحدود البحرية، حيث لا توجد أصلاً حدود بحرية بين ليبيا وتركيا، أو غير ذلك من الاتفاقات.
وإذا سايرنا منطق الاتجاه الثاني فإن جميع تصرفات هذه الحكومة باطلة بعد انقضاء مدة ولايتها اعتباراً من 23 ديسمبر 2017، وأن التصرفات التي أجرتها قبل هذا التاريخ صحيحة شريطة أن تكون قد استوفت متطلبات اتفاق الصخيرات، فمثلاً فإنه وفقاً لهذا الاتفاق لا تعتبر الاتفاقات الدولية التي تبرمها هذه الحكومة مع الدول الأخرى صحيحة ونافذة إلا بعد موافقة مجلس النواب عليها، ولذلك فإن جميع الاتفاقات التي أبرمتها هذه الحكومة مع الحكومة التركية تعد باطلة لأنها تمت بعد انقضاء مدة ولايتها (المفترضة) فضلاً عن أنها لم تنل موافقة مجلس النواب عليها.
وربما يسأل سائل هل يمكن اعتبار حكومة السراج حكومة واقعية (De Facto Government) باعتبارها تسيطر على المنطقة الغربية من البلاد؟ الجواب لا، لأن من خصائص الحكومة الواقعية كما حددها الفقه الدستوري، ما يلي:
1 - أن تأتي بعد نجاح ثورة أدت إلى سقوط النظام السابق، وحكومة الوفاق جاءت على أثر توقيع اتفاق الصخيرات من قبل عدد من ممثلي معظم أطراف النزاع الأهلي.
2 - أن تجمع في يدها جميع السلطات، وهذا غير متوافر في حكومة الوفاق لأن اتفاق الصخيرات حصر السلطة التشريعية في مجلس النواب المنتخب عام 2014م.
يضاف إلى ما سبق أن القانون الدولي يشترط للاعتراف بالحكومة الواقعية أن تكون مسيطرة سيطرة فعلية على معظم إقليم الدولة، وهذا الشرط غير متوافر في حكومة الوفاق، لأنها كانت تسيطر على منطقة طرابلس وبعد التدخل العسكري التركي غير المشروع استطاعت هذه الحكومة أن تبسط سيطرتها على المنطقة الغربية من البلاد بينما تسيطر قوات الجيش الوطني التابع لمجلس النواب على المنطقة الشرقية ومعظم المنطقتين الجنوبية والشمالية.
وترتيباً على ما سبق اتفق مع الرأي القائل إن الهيئة الشرعية الوحيدة في ليبيا هي مجلس النواب المنتخب عام 2014 وأضيف أن الحكومة المؤقتة التي وافق عليها هذا المجلس في 22 سبتمبر 2014 برئاسة عبدالله الثني هي الحكومة الشرعية صاحبة السلطة التنفيذية إلى أن يتم استبدالها بحكومة أخرى من مجلس النواب أو باتفاق جديد يبرمه جميع أطراف النزاع. علماً بأن هذه الحكومة كانت تحظى باعتراف المجتمع الدولي قبل توقيع اتفاق الصخيرات، وما زالت هذه الحكومة التي يقع مقرها في مدينة البيضاء تتمتع بدعم بعض دول الجوار الليبي ولكن القوى الدولية الكبرى تتجاهل هذه الحقائق، وصدق المستشار عقيلة صالح رئيس مجلس النواب عندما قال إن المجتمع الدولي فرض حالة الاقتتال والاضطراب في ليبيا بسبب اعترافه بكيان سياسي غير منتخب.
** **
خالد أحمد عثمان - محام وكاتب سعودي