إعداد - خالد حامد:
قد تبدأ إسرائيل قريباً عملية ضم بعض أراضي الضفة الغربية بعد تعهد رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو بتطبيق القانون الإسرائيلي من جانب واحد على أجزاء من الأرض المحتلة بما يكفل فعليًا احتفاظ اسرائيل الدائم بالأراضي المحتلة.
نتنياهو في طريقه لضمان أن خطة قيام دولة فلسطينية حقيقية قائمة على حدود يونيو 1967 وعاصمتها القدس الشرقية ستذهب أدراج الرياح. وبغض النظر عما سيحدث بعد عملية الضم، سيكون ذلك هو إرث نتنياهو - ومن المحتمل أن يكون إرثًا لا رجعة فيه.
القادة داخل وخارج الشرق الأوسط يناشدون نتنياهو لإظهار ضبط النفس، وفي الأسابيع الأخيرة، تحول النقاش في إسرائيل من متى ستتم عملية ضم أراضي الضفة إلى التساؤل حول حجم ما سيتم ضمه من اراض. يواجه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو عدداً من الأزمات من بينها محاكمة بتهمة الرشوة والاحتيال وخيانة الأمانة، وتحدي شركاء الائتلاف اليميني؛ عودة جائحة كورونا؛ ركود اقتصادي والمشكلة الدائمة مع إيران. ولكن إذا كان البقاء في السلطة وإغلاق الباب نهائياً أمام إنشاء دولة فلسطينية حقيقية هي أهدافه المباشرة، فهو قد حقق ما يريد.
في يوم من الأيام، سينفد سحر نتنياهو والدليل على ذلك عدم قدرته على الحصول على الأغلبية بعد ثلاثة انتخابات في غضون عام واحد،مما جعله يبرم صفقة ائتلافية مع منافسه بيني غانتس لم تؤد فقط إلى إعادة تأهيل نتنياهو وحزبه الليكود (الحركة السياسية المتماسكة الوحيدة في إسرائيل اليوم) ولكن أجبر غانتس على تدمير تحالف يسار الوسط.
إذا عندما يحدث التناوب المتفق عليه لرئاسة الوزراء إلى غانتس (من المقرر أن يتولى منصبه في نوفمبر 2021)، سيحتفظ نتنياهو بالأغلبية في الكنيست، تاركًا غانتس مع عدد قليل من المقاعد وصورة السياسي الذي تحالف مع الشيطان وخان أنصاره من أجل القيام بذلك.
في الأسبوع الماضي، بدا غانتس كأنه يدعم خطة ضم نتنياهو، قائلاً للصحفيين إنه إذا رفض الفلسطينيون المفاوضات إلى الأبد، فسوف يمضي الإسرائيليون بدونها. نتنياهو ليس لديه مطلق الحرية عندما يتعلق الأمر بالضم. ولكن بموجب شروط اتفاقية الائتلاف، سيتمكن من المضي قدماً بخطته إلى الأمام لمناقشتها من قبل الحكومة والحكومة في أي وقت. يمكن لنتنياهو الاعتماد على الدعم الشعبي القوي للحفاظ على غور الأردن والكتلات الاستيطانية الكبيرة في الضفة الغربية تحت السيطرة الإسرائيلية إلى الأبد. في الوقت الحالي، لا توجد ضغوطات جادة على نتنياهو للتنازل عن أي شيء - وإنما الضغوط التي تمارس عليه لإقناعه فقط بعدم قضم المزيد من الأراضي.
أفضل حلفاء نتنياهو في جهوده لإخماد التطلعات الوطنية الفلسطينية كانوا الفلسطينيين أنفسهم. تبدو الحركة الوطنية الفلسطينية المنقسمة وكأنها سفينة نوح: لقد أدى الصراع بين فتح وحماس إلى ظهور نسختين من كل شيء: أجهزة أمنية، دساتير، ورعاة. أما الرئيس الفلسطيني المحاصر محمود عباس، فهو محاصر بين الوضع الراهن الذي يوفر احتلالاً وتغييراً مستمرين أو الخيار غير الجذاب للنضال المسلح وتفكيك السلطة الفلسطينية، أو قبول خطة ترامب للسلام التي تقدم في أفضل الأحوال دولة منقوصة السيادة.
في وقت سابق من هذا الشهر، حشدت فتح الآلاف في شوارع أريحا للاحتجاج على خطة نتنياهو لضم أراضي الضفة. لكن في رام الله لم تتمكن الحركة من إخراج أكثر من 200 شخص.
إن محمود عباس عالق بين خيار الاستسلام أو التشبث بالمقترحات التي لن يقبلها نتنياهو وغانتس والجمهور الإسرائيلي أبداً - مثل العودة إلى حدود حزيران / يونيو 1967 بمبادلة الأراضي والقدس الشرقية كعاصمة فلسطينية.
على الرغم من أن إدارة ترامب أرسلت مؤخرًا لإسرائيل إشارات متضاربة بشأن مسألة الضم، إلا أن الرئيس الأمريكي وفريق السلام التابع له قد فعلوا الكثير لدعم جهود نتنياهو البطيئة لقتل نشوء الدولة الفلسطينية. فعلى مدى السنوات الثلاث الماضية، سعت إدارة ترامب إلى إعادة صياغة للسياسة الأمريكية بشأن حل الدولتين، وجعلها تتماشى مع رغبات نتنياهو: دولة فلسطينية منقوصة السيادة على 70 في المائة من الضفة الغربية، عاصمة رمزية في ضاحية أو اثنتين من القدس الشرقية، ومجموعة أخرى من الشروط التي سيحتاج الفلسطينيون إلى الوفاء بها، لدرجة أن سفير ترامب نفسه في إسرائيل قال مازحاً أنهم (الفلسطينيون) سيحتاجون إلى أن يصبحوا ديمقراطيين مثل كندا للتأهل لوضعية الدولة.
نعم، إن تأييد الولايات المتحدة لدولة فلسطينية يؤلم بشدة الجناح اليميني لحزب نتنياهو. لكن القائمة الطويلة من الأشياء الجيدة التي منحتها إدارة ترامب له - من إعلان القدس عاصمة لإسرائيل وفتح سفارة الولايات المتحدة هناك إلى إعلان مرتفعات الجولان تحت السيادة الإسرائيلية وفتح الباب لضم غور الأردن وأجزاء كبيرة من الضفة الغربية، جميعها أعطته ميزة استثنائية. لم تسمح هذه الخطوات لإسرائيل فقط بتوسيع أراضيها بشكل مطرد؛ بل ضمنت عملياً ألا يجلس الفلسطينيون إلى طاولة المفاوضات.
هنا قد يتساءل المرء لماذا يخاطر نتنياهو بتعريض كل هذه المكاسب للخطر من أجل توسيع القانون الإسرائيلي على الأراضي التي يسيطر عليها بالفعل ولا يضغط عليه أحد من أجل إعادتها. لماذا تثير قضية الضم غضب الدول العربية (وخاصة الأردن)، وتهدد بصداع محتمل مع الأوروبيين، وفي حالة إدارة أمريكية جديدة، قد تؤدي إلى تصادم معها. لقد ساعد تعويم فكرة الضم قبل الانتخابات الثلاثة الأخيرة نتنياهو في بناء قاعدته. ولكن كيف ستساعده الآن؟
يمكن أن يكون الجواب في الإرث الذي يأمل أن يتركه نتنياهو وراءه. إن تطبيق القانون الإسرائيلي على جزء كبير من الضفة الغربية سيعني النهاية التي لا رجعة فيها لمشروع الدولة الفلسطينية، مما يجعله رئيس الوزراء الذي لم يدفن فقط حل الدولتين بل ضم أيضاً عقارات من الضفة الغربية . في عام 2014، مرر الكنيست قانونًا يطالب الأغلبية العظمى من 80 عضوًا من أصل 120 عضوًا بتمرير أي تشريع يقوض المدى الإقليمي للقانون الإسرائيلي. وبعبارة أخرى، سيكون من المستحيل تقريبًا على الكنيست تمرير إجراء تنازل عن الأراضي التي تم بالفعل تطبيق القانون الإسرائيلي عليها. إذا كان هناك قرص سام لقتل حل الدولتين، فقد كان هو القانون الأساسي لعام 2014 .
من المستحيل التنبؤ بما سيفعله نتنياهو مستقبلاً. ولكن بغض النظر عما سيحدث في الأيام والأسابيع القادمة، فإن احتمالات حل الدولتين المقبول من كلا الطرفين قد تضاءل إلى حد التلاشي .
نتنياهو ليس هو المخطط الوحيد لهذا الوضع المعقد. لما يقرب من ثلاثة عقود، فقد غاب القادة الأقوياء من كلا الجانبين. وخيم الشك العميق وعدم الثقة بين الجانبين؛ بالاضافة إلى الصدمات التاريخية للروايات المتصادمة؛ الصعوبة البالغة للقضايا نفسها (بما في ذلك القدس واللاجئون والمستوطنات الإسرائيلية والمقاومة الفلسطينية)؛ عدم فعالية الوساطة الأمريكية؛ والجمود في الوضع الراهن الذي اعتبر أقل خطورة بكثير من التغيير غير المؤكد، جميع تلك المعطيات المذكورة حددت المشهد وحالت دون وصول الأطراف إلى أرضية مشتركة. ولكن بعد أن بذل قصارى جهده لقتل حل الدولتين طوال العقد الماضي، ينتظر نتنياهو الآن، وفي يده مجرفة، لدفنه.
** **
- آرون ديفيد ميلر هو زميل أقدم في مؤسسة كارنيغي ومحلل سابق ومستشار ومفاوض في وزارة الخارجية في الإدارات الجمهورية والديمقراطية.
- عن دورية (فورين أفايرز) الأمريكية