الهادي التليلي
إذا كانت الحركة الإخوانية الجزائرية وتموقعهم تحت مسمى جبهة الفيس كان سببه المباشر اتفاق الرئيس المصري الراحل جمال عبدالناصر مع نظيره الجزائري الراحل أيضاً آنذاك هواري بومدين، بخصوص خطة للتعريب استغلها عبدالناصر للتخلص بشكل سلس من آلاف المنتمين لجماعة السيد قطب، بداعي عقود تدريس اللغة العربية في الجزائر فكان أن تخلص منهم عبدالناصر وغرقت بهم الجزائر في سنوات من الدم.
فإن تاريخ نشأة الإخوان ككيان في تونس لم تكن مع عبدالعزيز الثعالبي وكتابه تونس الشهيدة كما يحاول بعضهم الترويج لذلك لأن عبدالعزيز رجل حركة وطنية لم يدع لقوة إسلامية أو دينية في ما يسمى بالإسلام السياسي وإنما النشأة وإنما غايته تحرير تونس من الاستعمار والحقيقية تعود نشأة كيان الإخوان في تونس إلى نهاية الستينات بعد خروج تونس من حرب الجلاء النهائي للمستعمر الفرنسي وبروز جماعة من المثقفين اليساريين أطلقت على نفسها جماعة آفاق» برسبكتيف».
ومن أهم رموزها عبدالرحمن الهيلة هذه الحركة التي PERSPECTIVE شكلت خطراً على بورقيبة خاصة وأنها تضم بعضاً من رفاق دربه الحقوقيين الذين لهم مكاناً وحضوراً داخلياً وخارجياً ويعدون صفوة الصفوة آنذاك مع إمكانية دعمهم من الاتحاد السوفياتي وقتها للقرب الإيديولوجي وحتى من الأحزاب اليسارية الأوروبية قراءة بورقيبة الاستباقية لبروز ظاهرة «برسبكتيف» جعلته يستشير حلفاءه الذين أعلموه بأن اليسار ليست له جذور في المجتمع التونسي آنذاك وبالتالي لابد من إحداث شق مقابل معاكس له نزعة إسلامية لسحب البساط من اليساريين من منطلق أنهم لا يؤمنون بالله، أي اللعب على وتر العاطفة الدينية.. وراقت الفكرة لبورقيبة فاستنجد بعبد الفتاح مورو المحامي الشاب والذي له طموحات في التموقع.
وانطلق عبدالفتاح مورو في تكوين الفريق فكان من بينهم راشد الغنوشي وصالح كركر وغيرهم وفي نفس الوقت انطلقت محاكمة جماعة برسبكتيف 1968 وبالتالي وبعيداً عن كل فائض إيديولوجي فإن المؤسس الحقيقي لجماعة الإخوان المسلمين في تونس أو كما يسمون أنفسهم آنذاك حركة الاتجاه الإسلامي أو كما كان يسميهم الشعب آنذاك الإخونجية هو الحبيب بورقيبة.. والطريف في الأمر بالرغم من أن تأسيس الحركة الإخوانية كان على ظهور جماعة برسبكتيف وقيامهم كان ضرباً لها ومحاربة لخطابها إلا أنه لما انقلب السحر على الساحر وصار الإخوان يطمعون لسحب بساط السلطة من بورقيبة أول من دافع عنهم ولم يكن الأمر هيناً آنذاك جماعة برسبكتيف وعلى رأسهم عبدالرحمن الهيلة.
ولو عدنا إلى سنوات الجمر لجماعة الإخوان بتونس نجد أن الوحيد الذي لم يتعرض للتهجير والسجن والنفي هو المؤسس عبدالفتاح مورو لأنه في حقيقة الأمر مكلف بمهمة تكوين جماعة للإطاحة بجماعة برسبكتيف.
سر نشأة حركة الإخوان بتونس والذي يحرص جماعة النهضة ورثة هذا الإرث الإخواني في هذا البلد المسالم والذي لا يمتلك من ثروات سوى عقول وهمة أبنائه يعتبر محرجاً لعديد الأطراف ممن كانت على معرفة بالتفاصيل سواء من داخل الخطاب البورقيبي أو من دائرة الخطاب الإخواني التي تروج لبورقيبة الدكتاتور القاسي وإذا كان بورقيبة كان مساهما في استقلال البلاد وفي بناء دولة تونس المدنية بتعليم عصري ومجلة أحوال شخصية أعطت المرأة مكانتها في المجتمع كشريكة في الحياة المدنية، فإن الإخوان في تونس بأجنحتهم متقاطعة بين إيران وتركيا العثمانية وقطر أحرجت الشعب التونسي تجاه شقيقه الليبي وعطلت عجلة التنمية نتيجة الجهل بتسيير دواليب الدولة وعدم الإحساس بالانتماء لدولة مدنية وتغليب مصلحة حلفاء الحزب من الخارج على حساب مصلحة الدولة.. فهل سيكون بورقيبة ثان يقتلع ما زرعه بورقيبة الأول؟..
وهل يحصل لإخوان تونس ما حصل للفاطميين الشيعة، حيث تركوا البلاد هاربين إلى القاهرة، لأن تونس والضمير الجمعي لشعبها لا يقبل التطرف والدماء؛ ولكن قد تكون قاهرتهم هذه المرة الأستانة.