عمرو أبوالعطا
منذ بداية انتشار المرض، يُطالب المختصّون بأخذ الاحتياطات اللازمة. التعليمات واضحة: التزم البيت وخفّف من الاحتكاك مع الآخرين قدر الإمكان، وحافظ على النظافة. الأقنعة والقفّازات الصحيّة لا تحميك من العدوى. نوبات الشراء وتكديس السلع تحسبًا للكارثة لن تخفّف من قلقك أو تزيد من شعورك بالأمان كما تتوقّع. الإقبال على السلع سيزيدُ من تكلفتها وأسعارها، أو يؤدّي إلى نفادها وقلّتها وكلا الأمرين سيؤدّيان إلى قلقٍ آخر. وأرقام الوفيات والإصابات تؤكّد أن الموضوع ليس مؤامرة البتة.
نادرًا ما احتل الخطر الناجم عن أي مرض هذا القدر من تفكيرنا واهتمامنا. فعلى مدار أسابيع عدة، كل صحف العالم تقريبًا تنشر أخبارًا وتقارير مفصلة عن وباء فيروس كورونا على صفحاتها الأولى. أما محطات الإذاعة والتلفزيون فإنها تكرس كل تغطياتها تقريبًا وعلى مدار الساعة لآخر تطورات انتشار الوباء وأعداد المصابين والضحايا.
أخطر مضاعفات كورونا (العامل النفسي والروحي) في ظل الحجر الصحي لأكثر من 3 مليارات إنسان في البيوت أو في المشافي، لا شيء يهم شعوب العالم أكثر من انتظار خبر العلاج لهذا الوباء؟ أو خبر جديد وسار يبشر بانتهاء هذا الوباء؟ لكن الحملات الإعلامية الغامضة والمتشككة حول كورونا، خلقت ظواهر سلوكية جديدة لدى كثير من البشر. وتسببت بفوبيا وقلق كبيرين عند بعض البشر وبشأن ما يجري في أرجاء العالم، حتى فضل البعض الانتحار على أن يواجه الحقيقة الآلهية، كورونا أغرق العالم بأخبار وشائعات غير مؤكدة حول حقيقة هذا الوباء، وكل هذا بالتأكيد له أثره على الصحة النفسية ولا سيما أولئك الذين يعانون من الأمراض المزمنة وضعف جهاز المناعة. كل شخص يتفاعل مع الأخبار والشائعات بطريقة مختلفة عني وعنك، وبالتالي ردة الفعل سوف يكون لها أثر سلبي أو إيجابي في الصحة النفسية. لذلك يجب الانتباه أن بعض العادات المؤقتة مثل عدم المصافحة أو كثرة غسل اليدين أو العطاس والكحة الطبيعية قد تسبب فوبيا دائمة أو وسواسًا قهريًا عند بعض الناس.
يجب ألا نغض البصر عن الضغط النفسي الذي يتسبب به وباء كورونا، وأن نركز فقط على الجانب الفيزيولوجي في زمن انتشار الوباء. فالإجراءات التي يتم اتخاذها على الرغم من أنها مفهومة ومبررة، إلا أنها قد تسبب الضغط النفسي لبعض البشر، وعلينا الالتزام بالآتي:
أولاً: التعامل مع المعلومات بعناية، واللجوء للمصادر الموثوقة بها كمنظمة الصحة العالمية. وألا نستهلك طاقة الدماغ على المعلومات المزيفة والخاطئة. وألا نبقى في حالة مستمرة من البحث عن المعلومات، بل نأخذ فترات راحة منتظمة من ذلك.
ثانيًا: الحفاظ على الروتين القديم، أو تطوير روتين جديد، أي أن يكون يومنا متنوع النشاطات، وأن يكون جزءًا من جدولنا اليومي الخروج للمشي وحتى ولو لمدة نصف ساعة، لأن هذا ضروري لصحتنا النفسية والجسدية.
ثالثًا: لا بد أن نحافظ على التواصل الاجتماعي مع الآخرين الموثوق بهم، فهذا أمر ضروري في أوقات الأزمات، وله أهمية خاصة، ويمكن التعويض عن التواصل المباشر، باســتخدام التكنولوجيا (محادثـات الفيديو، مكالمات الهاتف).
رابعًا: تقبل صعوبة الوضع الحالي، وأن هناك جوانب فيه خارجة عن سيطرتي، وأن يكون هناك علاقة سلام مع هذه الحقيقة. في المقابل هناك جوانب يمكنني التأثير من خلالها (كأعمال التطوع، المساهمة بالتعليم عن بعد) وهنا من الضروري استخدام طاقتي وقدراتي وتركيزها على هذه الجوانب.
خامسًا: الاعتناء بأنفسنا، وخصوصًا في هذا الفترة فهو ضروري جدًا، فقد قلب الفيروس حياتنا 360 درجة، نسبيًا بشكل مفاجئ، والاعتناء يكون هنا من خلال قسط كافٍ من النوم، العمل وفق نظام غذائي صحي، ممارسة الرياضة بشكل يومي، وهنا تنصح منظمة الصحة العالمية بمدة نصف ساعة رياضة يوميًا. فهذه الأمور تقوي من مناعتنا الجسدية، ومن مناعة الدماغ ضد الضغوطات النفسية.
سادسًا: خلال الأزمات قد تزاد مسؤولياتنا، لذا علينا تحمل المسؤولية، وعلينا أن ننظر إلى هذا الموضوع بشكل إيجابي. ونجعل منه حافزًا لنا لإنجاز شيء ما كالتواصل مع أفراد عائلتنا، وأصدقائنا، وخصوصًا كبار السن منهم، أو الجيران في حال طلب المساعدة، وهذا الأمر على الرغم من أنه زيادة في المسؤولية، إلا أنه يُشعر المرء بأنه ما زال لديه دور فعّال في المجتمع.
سابعًا: التقليل من التوتر من خلال تقنيات الرياضة، والاسترخاء، والتركيز على التقنيات التي تساعدني على التقليل من التوتر، وإذا لم يكن لدي قدرة على الوصول إلى هذه التقنيات، يمكن الاستفادة من المواقع وقنوات اليوتيوب الموثوقة التي تتحدث عن تجارب الآخرين في التقليل من التوتر.
ثامنًا: الاستعداد للعزلة: أي فكر في هذه الفترة كفرصة يمكنك فيها تشكيل يومك بطريقتك الخاصة. كرس الوقت للتفكير في ذاتك. رفه عن نفسك من خلال الكتب والألعاب أو عن طريق تعلم أشياء جديدة. تحدث إلى شريكك أو عائلتك حول ما يحدث.
تاسعًا: اطلب المساعدة في حالة الشعور في الضغط، وذلك في حال أصبح الذعر أو الاكتئاب لا يطاق فاتصل بالجهات النفسية المختصة. إذا كانت لديك أفكار انتحارية فاتصل بخدمات الطوارئ بمستشفى الطب النفسي على الفور.
وعادة ما تحدث الأعراض الأولى للصدمة مباشرة بعد وقوعها، لكن في بعض الأحيان تحدث الأعراض لاحقًا بعد سنوات نتيجة لاستمرار مواقف الحياة الضاغطة، ليتم التعامل على عدة مستويات تشمل العلاج النفسي والدعم الاجتماعي وربما، وفقًا لما يذكره كتيب «اضطراب الإجهاد اللاحق للصدمة النفسية» الصادر عن الصليب الأحمر.
يجب علينا التعلم كيف تدير الإجهاد والإرهاق الشديد الذي نتعرض له، فثبت علميًا أن التعرض للإجهاد والتوتر والإرهاق من الأمور التي تضعف القلب، وتعرض الشخص للعديد من المشكلات الصحية، نتيجة لارتفاع بعض الهرمونات بالجسم الخاصة بالإجهاد، ولذا يمكنك تجنب التركيز في الحاجة وتذكر بعض الأشياء الإبجابية في حياتك اليومية، فأنت بهذه الطريقة تقلل من حدة الشعور بالإجهاد.